إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
لقد أنزل الله عز وجل القرآن في شهر رمضان، أنزله في ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في ثلاث وعشرين سنة مفرقاً على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يتنزل على حسب الوقائع التي وقعت، فكان إنزال القرآن في شهر رمضان علامة ودليلاً على اصطفاء الله سبحانه وتعالى لهذا الشهر، وكان نزوله في ليلة القدر دلالة أيضاً على فضيلة هذه الليلة، قال الله عز وجل:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:١ - ٥].
وقد سميت ليلة القدر بذلك لشرف قدرها، ولأنه تقدر فيها مقادير السنة، فانظروا عباد الله إلى شرف هذه الليلة التي جعل الله عز وجل العبادة فيها تعادل ما يربوا على ثلاث وثمانين سنة، وكم عمر الواحد منا؟ سرعان ما تمر الأيام، والشهور، فها هو رمضان قد بقي منه أيام وينقضي، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن قام وصام رمضان إيماناً واحتساباً فغفر له، ونسأله عز وجل أن يوفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، وأن يغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم.