[دور الدعاء في النصر على الأعداء]
قال تعالى: ((وَاسْتَفْتَحُوا))، أي: استفتحت الرسل وطلبت الفتح والفصل والحكم، ودعت الله عز وجل أن يفصل بينهم وبين قومهم، {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:٨٩].
والدعاء من أمضى الأسلحة إن لم يكن هو أمضاها وأقواها، وأعظم سبيل للنصر بإذن الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).
أي: بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم.
وهكذا يكون النصر بالدعاء، ويكون فتح الأبواب المغلقة بالاستفتاح، نستفتح الله عز وجل، أي: ندعوه أن يفتح لنا، وأن يحكم بيننا، وأن يفصل في هذه الخصومة التي وقعت، وفي الخلاف بين منهج الحق ومناهج الباطل.
قال الله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:١٥].
وإن كان الأمر قد يتأخر قليلاً لكن لابد وأن يقع، قال عز وجل: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:٨٨ - ٨٩].
إذاً: فالاستقامة سبب في إجابة الدعوة، ولو بعد مدة، ولكن الواجب أن تستقيم ((اسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))، أي: لا تبتعد عن الطريق الحق إلى سبل الضلال، فضلاً عن أن تكون ممن لا يعلم، فلا بد من العلم ومن الاستقامة معاً، والعمل بهذا العلم، ولابد من عدم الركون إلى من ظلم، وعدم متابعة سبيل الذين لا يعلمون، ومع الاستعانة، والصبر، والاستقامة، والإيمان، والعمل الصالح، وعبادة الله وحده لا شريك له يكون الفرج.
((وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ))، والجبار: هو الذي يسفك الدماء، وينتهك الحرمات؛ ليجبر الناس على إرادته الباطلة المحرمة والمخالفة لشرع الله، دون أن ينظر في أمره الذي يأمر الناس به، فهو يجبرهم عليه سواء كان موافقاً لدين الله أم لا، فهذا يسمى جباراً، وإذا امتنع منه أحد قتله، وهذا النوع يخيب دائماً، قال تعالى: ((وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ))؛ لأنه عاند شرع الله بعد أن وضح له الحق، وعلم أن ما جاءت به الرسل هو الحق، ومع ذلك فهو يحاربه ويعانده.
قال تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:١٦]، ونعوذ بالله من ذلك.
((مِنْ وَرَائِهِ)) أي: جهنم أمامه تنتظره، (ويسقى من ماء صديد)، والصديد هو: عصارة أهل النار، وجروح أهل النار ((يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ)) وإذا قرب ذلك الإناء الذي فيه الصديد من وجهه فإنه يشوي وجهه، ويسقط لحم وجهه فيه، ومع ذلك يسقاه رغماً عنه، فهو يتجرعه ولا يكاد يمر من حلقه، ويتألم في كل جزئية من جزئياته، ويعذب بكل أنواع العذاب، فالناس تسقى لكي تبرد ما في أجوافها من حرارة، وهذا يسقى ليزداد عذاباً.
((يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ)).
أشد اللحظات على الإنسان هي لحظات الانتقال من الحياة إلى الموت.
((وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ))، ((وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ))، نعوذ بالله من ذلك.
ثم بين سبحانه وتعالى هبوط أعمال الكفار والعياذ بالله، وأنها في الدنيا والآخرة لا تساوي شيئاً، قال تعالى: ((كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ)) والآية دليل على هبوط العمل وذهابه وضياعه وانتهائه بالكلية والعياذ بالله، ففي الدنيا لم يحققوا أغراضهم، وفي الآخرة كان العذاب الأبدي مآلهم ((ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)).
نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يدمر اليهود والنصارى والمنافقين، وسائر الكفرة الملحدين أصحاب الضلالة ودعاة السوء.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا، إنك أنت العزيز الحكيم.
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وانصر لنا ولا تنصر علينا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شكارين، لك ذكارين، لك مطواعين لك رهابين، إليك منيبين قانتين، تقبل توبتنا، وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، وأزل الشحناء من صدورنا.
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم إنا نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان.
نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء.