أما المحبة الطبيعية التي قد توجد في الإنسان لقرابته ومن يعاشرهم، كمن يتزوج مثلاً امرأة كتابية يهودية أو نصرانية، فقد دلت أدلة القرآن والسنة على جواز ذلك، لكن لا بد أن يبغضها لدينها، فإن كان يحب عشرتها، أو شكلها أو نحو ذلك، فليحول حبه الطبيعي ذلك إلى حبه لإسلامها وهدايتها.
ومثل ذلك في الأب والأم وغيرهما، يحسن إليهما لعلهما أن يهتديا، مع لزوم البغض على الدين إلى أن يؤمنا، وإذا مات أبوه كافراً تبرأ منه كما تبرأ إبراهيم من أبيه، قال تعالى:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:١١٤] أي: لما مات على الكفر وتبين عداوته لله عز وجل تبرأ منه، ولذا لم يأذن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يستغفر لأمه، ولم يأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أن يستمر في الاستغفار لعمه، بل قد استغفر له فلم يقبل استغفاره، مع أنه كان يحوطه ويحميه، ولكن كما قال عز وجل:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:١١٣].
وهذا الحب الطبيعي يلزم معه وجود البغضاء على الدين، وإن أحسن عشرته، فهناك فرق بين الإحسان والبر والقسط والعدل، وبين الموالاة والمحبة، كما قال عز وجل:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:٨ - ٩].
قال الإمام الشافعي رحمه الله في هاتين الآيتين: فكان ما أمروا به من البر والإقساط غير ما نهوا عنه من المحبة والموالاة.
إننا نحسن إلى من لم يحاربنا في الدين، ونعدل مع كل الخلق، حتى إننا نعدل مع من حاربنا ولا نظلمه، وإن قاتلناه وحاربناه، حتى في قتله نحسن القتلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة).
إذاً: هناك فرق كبير بين أن نحسن معاملة من نريد دعوته إلى الإسلام، وبين المحبة والموالاة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها؛ لأنه ليس كل من نحسن معاملته نكون محبين له.
إن البر والإحسان إلى الكافر أو العاصي هو أن تطعمه إذا جاع، وتكسوه إذا عري، وتمرِّضه إذا مرض وتعوده، فهذا مما لا بأس به إذا كان يعود عليه بالنفع، وذلك بدعوته إلى الإسلام، أو كف شره عن المسلمين أو نحو ذلك.
وكذلك يجب التعامل معه بالعدل، كأن تبيع منه وتشتري، وتفي له بالعقد، وأن تعمل معه في إجارة أو في شركة أو مضاربة، فإن هذا لا يستلزم موالاة، ولا محبة، وإن كان الأولى أن تعامل المسلم وأن تنفعه، لكن حسب المصلحة، فلقد باع النبي صلى الله عليه وسلم واشترى من المشركين من أهل الحرب ومن أهل العهد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقر أصحابه على البيع والشراء والسفر إلى بلاد الكفار للتجارة، ويقر مجيء الكفار إلى بلاد المسلمين للبيع والشراء، وذلك عندما جاء نبطي من أنباط الشام يبيع الطعام في المدينة، فلم تكن الموالاة في البيع والشراء، كما يحاول بعض الجهلة أن يوهموا المسلمين أن مجرد البيع والشراء موالاة للكفار.