النقطة الأولى: الصلة بالله تعالى: الصلة بالله سبحانه وتعالى، والاهتمام بحال القلب على الدوام، ودوام التذكير بالآخرة، واستحضار معاني أسماء الله وصفاته، والدعاء الدائم بأن يذوق العبد حلاوة الإيمان والشوق إلى لقاء الله، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
والصلة بالله عز وجل هي الالتزام الحقيقي، وكما ذكرنا من قبل أن العبادات هي الأوعية لهذه الأحوال القلبية، وإذا أتيت بوعاء يمكن أن تأخذ ما ينفعك، فإنك حين تأتي بوعاء وتقف بالباب، تطرق الباب وتستسقي حتى يفيض الرب عز وجل عليك من خلال عبادتك، من خلال هذا الوعاء دعاء أعمال القلوب الواجبة والمستحبة من الحب والخوف والرجاء، وإذا لم تأت بوعاء فلن تستطيع أن تأخذ هذه العطايا، أو أن تأخذ هذا الغذاء، ولو أن شخصاً لا يصلي ولا يصوم ولا يقوم الليل فهو لا يحب الله، وليس لديه شوق إلى الله عز وجل، ولا خوف منه سبحانه، فهذه نقطة لابد منها.
وكذلك ليس كل من أتى بوعاء يأتي بوعاء صالح، فهناك من يأتي بوعاء مصمت لا روح فيه، ولا يحتمل أن ينزل فيه خير، فاحذر أن تكون عبادتك من ضمن العادات تؤديها بلا روح، بلا خشوع، ولا استحضار لما شرعت له.
ثم لا تستعجل ولا تيئس ولا تطلب العطية لمجرد الوقوف بالباب، لا بد أن تقف بالباب وتدقه وتلح في السؤال، وتسأل الله أن يمن عليك بفضله، ولا تتوقف عن هذا، والعبد قلبه دائماً يتقلب فلا يستقر قلبه على حال، فهو يحتاج إلى تثبيت دائم ودعاء مستمر أن يثبت الله عز وجل قلبه على الهدى، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، نسأله الهدى والسداد واليقين والعافية، نسأله أن ينور قلوبنا جميعاً بطاعته، وأن يذيقنا لذيذ محبته، وأن يوفقنا سبحانه وتعالى لما يحبه ويرضاه.
هذا الأمر الأول وهو جزء معظمه شأن شخصي، وهو سر بينك وبين الله عز وجل، ولا يشرع أن يكون الإنسان على الدوام في الجماعة، فالعمل الجماعي يشغل الإنسان عن أشياء كثيرة جداً، يشغله في التفاته إلى الآخرين حوله، وعلاقته بهم، وهو يحتاج بلا شك إلى العمل الجماعي، لكن هذه المسألة معظمها شخصية، وأحياناً لا بأس من الاجتماع ولكن إذا كان بدون ترتيب وبدون تحديد يوم معين مثلاً فإن هذا ليس من السنة، ولكن العمل الشخصي للإنسان أنفع وأتم؛ لأنه خاص به، وخاصة أن الإخلاص عزيز، فالإخلاص أيسر في السر وأصعب في الأعمال، ومن الناس من هم أفذاذ من العالم الذين يقتدى بهم في الخير، لكن هؤلاء الأفذاذ آحاد في الوجود، فالجزء الشخصي هذا مسئوليتك الشخصية، وليس من اللائق أن تقول لشخص: أنت أهملتني؛ لأنه خاص بك، وهذا الموضوع أنت المسئول عنه.
وفي الحقيقة أنَّ هذا الأمر أمر عظيم الأهمية في صلاح الأمة جميعاً، فقد كنت أقول لأحد الإخوة: أنا أحسن أن الرحلة لا زالت طويلة جداً؛ لأن التغيير المطلوب إحداثه مع أنه والحمد لله بفضل الله عز وجل هناك إخوة كثيرون جداً يريدون أن يصلوا وأن يصوموا وأن يعتكفوا، لكن التغيير المطلوب لا زال بعيداً جداً، فلا يزال هناك أشياء كثيرة لابد أن تغير، علماً وعملاً وسلوكاً، والسلوكيات هذه لوحدها جزء من ضمن مسئولية عبادات القلب، فهي لا بد أن تكون من جهة الخلق والأدب، وطريقة الكلام، وطريقة المعاملة مع الآخرين، وتعظيم حرمات الله عز وجل، والكلام على الشرع بالتوقير والاحترام، واحترام إخوانك في الله عز وجل.
إذاً: هناك أشياء كثيرة جداً لا بد لها من تغيير، ولم تأخذ فرصتها الكاملة في التغيير، ونحن من خلال ما تناولناه خلال هذه الفترة نحاول أن نضع نقاطاً ونحدد معالم لأشياء مهمة لا بد أن نفكر فيها، وهناك أشياء كثيرة جداً لابد لها من عمل، وأعتقد أن جزءاً كبيراً جداً منها سيكون جزءاً شخصياً؛ لأن هذا هو المتاح، فلا بد أن تقرأ دائماً في كتب التهذيب والإصلاح كأن تقرأ مثلاً: كتاب تهذيب موعظة المؤمنين وكتاب رياض الصالحين، وتقرأ كتاب مدارج السالكين، أو تهذيب مدارج السالكين، فهذه الأشياء مهمة في طريق الإصلاح.