[بيان عدم الارتباط بين التوحيد وعلم الفلسفة والكلام]
لا شك أن التوحيد قد ارتبط في أذهان الكثيرين وللأسف بعلم الكلام والفلسفة، كأثر من آثار الابتعاد عن الكتاب والسنة، كمصدر للعقيدة والعمل والسلوك، فعند الناس أن العقيدة أصبحت علم الكلام، والسلوك أصبح تصوفاً، والعمل أصبح تقليداً للمتأخرين، واتباع المذاهب، وهذه من أعظم المخاطر التي حدثت في الانحراف، وأدت في نهايتها إلى انهيار الخلافة في أطول مدة انهيار إلى الآن، وهي الفترة التي حصلت بعد انهيار الخلافة العثمانية، وقد كانت بلا أثر في معظم أرجاء العالم الإسلامي، بل كانت كل بلاد العالم الإسلامي -تقريباً- محتلة قبل الحرب العالمية الأولى، وسبب ذلك أنه كان هناك انفصال عن الكتاب والسنة، فالعقيدة أصبحت عبارة عن علم الكلام وتأويله، وأصبح السلوك تصوفاً مبتدعاً على أعلى درجات البدع وأسوئها، وأصبح العمل تقليداً أعمى للمذاهب دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، والبعض ارتبط بذلك في ذهنه كالفقه الذي ارتبط بالمسائل الكلامية الفرعية الدقيقة والمتون الصعبة العسيرة التي لا يمكن فكها إلا كما تحل الألغاز! فالسلوك ارتبط بالطرق الصوفية، مما أدى بالبعض إلى الظن أن مسائل العقيدة هي مسائل الترف العقلي، كما ظنوا أن التقليد هو الفقه، فقالوا: نحرق كتب المذاهب، وكما قال البعض: التصوف كله باطل، فأهمل التهذيب، وأهمل إصلاح القلوب.
فكل هذا انحرف أدى إلى خلل كبير جداً في الأمة الإسلامية، فما الدين إلا الإيمان والإسلام والإحسان، والرسول صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والإيمان والإحسان، والإسلام العمل، والإيمان الاعتقاد، والإحسان عمل القلوب.
والقول بأن الكلام في العقيدة ترف عقلي قول كان يقوله الغزالي قديماً، واليوم أيضاً يقول يوسف القرضاوي: الكلام في العقيدة وفي التوحيد ترف عقلي، يجب أن تصان عنه الدعوة الإسلامية خاصة في مسيرة الصحوة الحاضرة! وكم سمعنا ذلك من الاتجاهات الإخوانية؛ خصوصاً أيام مجاهدة الأفغان، والثمرة معلومة، إنها الثمرة التي بدأت بمنهج آخر غير منهج الأنبياء، فحصل فيه تقصير شديد أدى إلى انحراف الناس بعدما حصل التوحيد، فلم يحصل قيام دولة الإسلام المرجوة، وإنما حصل التقاتل المذموم، فالبعض يقول: إن أهم شيء الآن أننا لا نكلم الناس ولا نتكلم حول العقيدة؛ لأن الأفغان عندهم شركيات كثيرة، وعندهم بدع، وعندهم تصوف، فيقول لك: لا أحد يتكلم في هذه الأمور، ونفس الأمر يحدث في مواطن عديدة.
فالمسلمون بلا شك في خطر من جراء هذه الطريقة من التفكير؛ لأنها علاج الخطأ بخطأ أكبر وأعظم وأخطر، صحيح أن علم الكلام مفسدة، وصحيح أن التقليد مفسدة، وأن التصوف مفسدة، لكن علاجه ذلك ليس بإهمال الجانب كله وإهمال الأمر كله.
يعني: لا نقول: إن دعوة الإسلام لا تقوم أبداً بدون عقيدة التوحيد، لكن الواجب على المسلمين أن يتعلموا هذه القضية بنفس الطريقة التي تعلم بها الصحابة، ومن بعدهم من أئمة العلم، بأدلة الكتاب والسنة الصحيحة، كما فهمها سلفنا الصالح من أهل السنة والجماعة، وهي تشمل أوضح الأدلة العقلية والسمعية معاً.