للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تبرؤ إبراهيم عليه السلام من كل ما يعبد من دون الله تعالى]

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: فقال عز وجل: ((فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ)) أي: هذه الشمس أكبر ضوءاً وأكبر قدراً وأكثر انتشاراً في نورها، ولكن لابد لها أن تغيب.

وقال تعالى: ((فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)) تدرج معهم حتى وصل بهم إلى الحقيقة التي قد هداه الله إليها من قبل، وهي وحدانية الله والبراءة من الشرك وأهله.

فقوله: ((فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)) هذا قضية إبراهيم عليه السلام وقضية كل الأنبياء، وهذه القضية هي الشق الأول من كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، قضية النفي، وهي البراءة من الشرك وأهله والبعد عن الباطل، فلابد من هدم الجاهلية حتى يبنى الإسلام الحق؛ لأنه لا يتحقق في قلب ابن آدم الحق إلا بهدم الجاهلية وبيان بطلانها والبراءة مما يعبد من دون الله، ولا يكون موحداً من أقر بعبادة غير الله ولو لغيره، فلو أن إنساناً قال: أنا أعبد ربي وأنتم تعبدون آلهتكم، وكل منا على حق، وكل منا يختار ما يريد؛ لكان مشركاً بالله عز وجل، حتى ولو قال: أنا لا أعبد غير الله؛ وذلك لأن إقراره بالملل الباطلة وبعبادة غير الله دليل على أنه لم يشهد أن الله لا إله إلا هو، وإنما أقر أن الله إله من الآلهة، وهل كان شرك المشركين بإنكار ألوهية الله أم بإنكار وحدانيته؟ كان بإنكارهم لوحدانيته عز وجل، قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] , ولذا لم تكن كلمة الإيمان هي كلمة الله إله، وإنما لا إله إلا الله، فنبدأ بالنفي قبل الإثبات، وهذا النفي لكل معبود من دون الله، فلا بد أن نقر بأن عبادة غيره باطلة، ونشهد بأنه الإله المعبود بحق، فلا يعبد بحق إلا الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)) أي: وجهت وجهتي وإرادتي وقصدي لله رب العالمين، فبعد شهود كمال الربوبية بتدبير ملك السماوات والأرض، لابد أن يكون الإنسان منفعلاً متأثراً بهذا الذي شهده من ملكوت السماوات والأرض، وأنه لله، بأن يجعل توجهه وإرادته وقصده وتوحيده الطلبي الإرادي لله عز وجل.

فقوله: ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)) أي: أن أعظم دليل على توحيد الربوبية هو خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق.

قال تعالى: ((حَنِيفًا)) أي: مائلاً إلى الله، وهذا هو الدليل الثاني، وهو المذكور في قوله: ((لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)) أي: أنا محتاج إلى محبة دائمة، محبة من لا يغيب، وقد فطرت القلوب على أن تميل إلى الله؛ لأن الحنيف هو المائل إلى الله المعرض عن غيره، هكذا فطرت القلوب، وهذا كله من أدلة التوحيد، فإن القلب لا يسعد إلا إذا توجه إلى الله، فإذا ذاق عبودية الله علم أن لذات الدنيا سراب بالنسبة إليها، وأنها لا قيمة لها إذا لم تكن مع عبودية الله والتحنف والميل إليه، والبعد عما يعبد من دونه.

قال عز وجل: ((وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) أي: أتبرأ من أهل الشرك كما أتبرأ من الشرك نفسه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين).

ما أحوجنا عباد الله إلى أن ترتفع أنظار قلوبنا عن هذه الأرض الضيقة، عما يظن فيها من ملك وسلطان، عما يظن فيها من قوة وقدرة للمخلوقين، ما أحوجنا إلى أن ننظر في السماوات والأرض وخلقهما؛ لنعلم حقيقة البشر وضعفهم وعجزهم، وبالتالي لا نتوجه إليهم من سعي في رضاهم أو فرار من سخطهم إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وإنما نحب الله عز وجل ونميل إليه، ونعرض عمن سواه وعما يعبد من دونه، فبهذا يحصل للعبد حقيقة التوحيد، وبهذا يرفعه الله عز وجل الدرجات العلى، فهو يرفع درجات من يشاء سبحانه وتعالى.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها، أولها وآخرها، قديمها وحديثها، صغيرها وكبيرها، خطأها وعمدها، سرها وعلانيتها، ما علمنا منها وما لم نعلم، ما تقدم منها وما تأخر.

اللهم وفقنا لما تحب وترضى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأقم الصلاة.