إننا نقطع ونجزم أن هزيمة المسلمين في قطر من الأقطار لن يترتب عليها زوال الإسلام، ولو أبيد المسلمون عن آخرهم، لما كان في ذلك زوال الإسلام؛ وذلك لأنه بفضل الله قد انتشر، ثم إنه قد مرت بالمسلمين لحظات أشد بكثير مما تمر به الأمة الآن ولم ينته الإسلام.
لقد كانت هزيمة الأحزاب من فضل الله ونعمته علينا، كما أنعم على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بنعمته وفضله؛ لأن هزيمة الأحزاب سببٌ في إسلامنا، وفي وصول النور إلينا، وكانت أيضاً سبباً من أسباب حسن الظن بالله عبر العصور، ونحن نتضرع إلى الله ونتوسل إليه بهذا الدعاء:(وهزم الأحزاب وحده)، كما كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم متوسلاً إلى الله بذلك في كل موطن يواجه فيه العدو؛ فيدعو ويستنصر هازم الأحزاب سبحانه وتعالى.
والله عز وجل جعل لحظات أشد من هذه اللحظات تمر على المسلمين وما ضيعهم، فعندما تتذكر أيام الله وتلحظ بقلبك رجوع أبي سفيان وقريش وغطفان وخذلان اليهود -الذي يسر القلوب، ويفرح الله به المؤمنين عبر العصور- بما وقع في بني قريظة، فعندما تتصور ذلك وتستحضره يزول الهم والغم، وهذا من أعظم الأسباب في كون القرآن العظيم نور القلب وربيع الصدر؛ والله عز وجل يزيل الغموم بالكتاب العزيز، فيرشد الإنسان إلى مقتضى أسماء الله وصفاته وقوته وعزته، وهو لا يغالب ولا يمانع؛ لأنه الغالب على أمره القوي العزيز سبحانه وتعالى، الذي لا يقف لقوته شيء؛ ولو تدبر العبد ذلك لأيقن ضعف العباد جميعاً وفقرهم وذلهم، فكل عز في مقابلة عزة الله عز وجل ذل، وكل قوة بالنظر والنسبة إلى قوة الله عز وجل ضعف وعجز، وكل غنى فقر وعدم بالنسبة إلى غنى الرب سبحانه وتعالى، والله عز وجل جعل الدنيا في الآخرة كنقطة من بحر، وهي كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع؟! فكيف بصفات الرب سبحانه وتعالى إذا قورنت صفة البشر بها، وكذلك الحال إذا قارنا الدنيا بالآخرة.
فإذا استحضرت أن الله هو القوي العزيز، فما يصنع الأعداء؟ فالله تعالى كما وصف نفسه (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن).
نسأل الله أن يثبتنا على الهدى، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، اللهم اعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم دمر اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين، اللهم كف بأسهم عن المسلمين فأنت أشد بأساً وأشد تنكيلاً، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واهدنا سبل السلام، واجعلنا هداة مهتدين، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.