موقف آخر نستحضره جيداً ونحن في هذه الأيام المباركة من شهر الله المحرم حول عاشوراء، ذكر الله سبحانه في قصة موسى في سورة الأعراف تقتيل فرعون للسحرة ظلماً وعدواناً وتجبراً وطغياناً، ومعاندة للحق بعدما ظهرت الآيات الحسية بعد الآيات الفطرية العقلية، وأقر السحرة بعجزهم، بل وأعلنوا إيمانهم، وإذا بفرعون يلفق لهم تهمة يخترعها على الفور، فهو أستاذ في الاختراع، اخترع التهمة في مجلسه مع أنه الذي جمع السحرة على عينه وأتوه {بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}[الشعراء:٣٧]، أتى بكل السحرة، فهو الذي جمعهم ومع ذلك قال:{إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٢٣]، كان الجزاء هو التقتيل والتقطيع، تقطيع الأيدي والأرجل، والصلب على جذوع النخل، وكان من السحرة الرضا بالله عز وجل والتضحية بما كان أغلى شيء عندهم، التضحية بالأنفس وبالأموال وبالمنزلة، ضحوا بكل شيء، {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}[الأعراف:١٢٥ - ١٢٦]، كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة، قال الله عز وجل في سورة الأعراف بعد أن ذكر هذا الأمر الفظيع من فرعون ومن قومه الذين رأوا بأنفسهم الآية ومع ذلك قتلوا السحرة:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:١٢٧ - ١٢٩].