ذكرنا بعض ما ورد في التحذير من الربا الذي هو أحد أكثر الأمراض انتشاراً في زماننا، والناس من أجل التحسينات -وليس الحاجات أو الضرورات- يتعاملون بالربا، وما أيسر أن يقترض الرجل بالربا -والعياذ بالله- لكي يهيئ مسكناً، أو يزين المسكن الذي يسكن فيه، أو لكي يعطي أولاده دروساً خصوصية مثلاً، أو لكي يأتي لهم بملابس جديدة؛ لأنهم يلحون عليه عند دخول المدارس وفي الأعياد أنه لابد أن يعطيهم ملابس جديدة، نسأل الله العافية؛ وذلك من أعظم أنواع البلاء.
فمثلاً: شخص يريد أن يفتح مشروعاً فيتعامل بالربا؛ لأجل أن يوسع على أهله، أو لكي يشتري سيارة، أو يشتري منزلاً أحسن مما هو فيه، وغير ذلك من أنواع التعاملات الخطيرة التي لا تدخل في باب الحاجات فضلاً عن الضرورات، بل هي من التحسينات، والذي يتعامل بالربا ولو درهم منه شر من ست وثلاثين زنية -والعياذ بالله- يزنيها الرجل في الإسلام، فأكل الربا من أعظم أسباب الهزيمة والنكال والخسران الذي يقع للمسلمين.
وقوله عز وجل:{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران:١٣٠] لا يفهم منه أنه يجوز أكل الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة، فمفهوم المخالفة ضعيف في هذا الموطن؛ لأنه وصف للحال الذي كان واقعاً، أو غالب تعاملاتهم كانت كذلك، ولم يزل هذا كذلك، فغالب التعاملات في الربا أنه يؤكل أضعافاً مضاعفة؛ لأن المال يتضاعف عبر السنوات، فإذا كان الأمر كذلك لم يكن له مفهوم، وإذا خرج الكلام مخرج الغالب لم يكن له مفهوم، بل لو أكل حبة من الربا، وليس درهماً لكان -والعياذ بالله- من أعظم الكبائر، ولو لم يكن مضاعفاً، كما سمعنا:(درهم من الربا شر من ست وثلاثين زينة)، فكيف بالأضعاف المضاعفة؟! فهذا وصف للحال الأغلب الذي كان عليه المشركون في الجاهلية: أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة، فليس للكلام مفهوم في أن الربا غير المضاعف يجوز، بل لا يجوز باتفاق المسلمين، ومن ينازع في ذلك يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ويجب قتله؛ لأن هذه ردة عن الإسلام والعياذ بالله، والقول بأنه يجوز الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة لا يقوله عالم، ولا يقوله مسلم في الحقيقة.
ومن الشبهات الباطلة قول من يقول: إن الربا إنما حرم إذا كان في القرض الاستهلاكي، ولم يحرم في القرض الإنتاجي أو الاستثماري، وهذا أيضاً -والعياذ بالله- من أنواع الشبهات المضلة التي تخرج بصاحبها عن حد الإسلام، وإن كان متأولاً أو جاهلاً بين له الأمر، وأقيمت عليه الحجة، ولا يكفر معين حتى تقام عليه الحجة.
والربا الاستهلاكي والربا الإنتاجي والاستثماري كله واحد بإجماع المسلمين، بل أكثر ربا الجاهلية كان في التجارات، ولم يكن من أجل إطعام الطعام، ولا كسوة العريان، وقد كان عندهم الكرم والجود، وما كانوا يتركون أحدهم يجوع ولا يوجد من يطعمه حتى يأكل الربا، وإنما كان أكثر رباهم فيمن يتاجر فيخسر فيرابي بأزيد لأجل أن يعوض الخسارة، وهكذا تستمر المسألة، فقوله تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً)) لا يفهم منه أن هناك بعض الأنواع جائزة.
وقول من قال من العلماء: إن هذه الآية قد نسختها: ((اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)) لا يعنون النسخ الاصطلاحي، بل يعنون: بينتها الآية الأخرى، فعندهم بيان المجمل يسمى نسخاً، بمعنى: نسخت وأزالت الإجمال الذي قد يفهمه البعض من أن الأضعاف المضاعفة هي المحرمة، وأما ما كان رباً يسيراً فليس بمحرم، ليس كذلك، بل الآية الأخرى بينتها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}[البقرة:٢٧٨].