[من منافع ذكر الله في الصلاة تفريج الهموم واستجابة الدعاء]
ذكر الله في الصلاة أكبر مما تضمنته من أنواع المنافع الأخرى، وذلك أن ذكر الله عز وجل هو سبب السبق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(سبق المفردون، قيل: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، وليس الذكر مجرد تحريك اللسان بهذا الذكر المأمور به، بل الذكر حضور المذكور في قلب الذاكر، ثم التعبير عن ذلك باللسان، وإذا صحت صلاتنا وأقمناها كان ذلك من أعظم أسباب تفريج الكربات، وزوال الهموم، بل لا نبعد إذا قلنا: إنّ الأمور العظمى التي غيرت وجه الحياة على وجه الأرض، إنما أعطيها أهل الإيمان من الأنبياء والأولياء في الصلاة، ففي ليلة غزوة بدر عبد الله عز وجل بها في الأرض النبي صلى الله عليه وسلم طول الليل وهو قائم يصلي ويبكي ويستغيث بالله عز وجل وفي ذلك أنزل الله:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}[الأنفال:٩]، فكانت هذه نقطة التحول التي انقلب فيها الأمر على المشركين، والتي تغيرت بها موازين القوى على ظهر الأرض إلى يوم القيامة، وخسر إبليس أعظم خسارة، لم يُر في صورة أدحر، ولا أصغر، ولا أذل منه يوم بدر، وإنه يرى يوم عرفة في أدحر صورة وأذلها، لكنه في يوم بدر رئي في صورة أذل، فقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم النصر في تلك الليلة بدعائه وتضرعه بالدعاء إلى الله عز وجل.
وكما أعطى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين ما أعطاهم وهم في محاريبهم وعبادتهم، فدعوة صادقة في ركعة خاشعة، وفي سجدة يقترب الإنسان بها من الله، تنقلب بها موازين الأرض والسموات بإذنه سبحانه.
أما علمنا دعوة نوح عليه السلام كيف تغيرت لها الأرض والسموات، حين سمع الله دعاءه ففتح السماء قال تعالى:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}[القمر:١٢ - ١٣].
فقد استجاب الله عز وجل دعوته، وكذلك الأنبياء، بل لا نبعد إذا قلنا: إن سبحانه يبتلي عباده المؤمن بما يكرهه عز وجل، فإنه يكره مساءة المؤمنين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبد مؤمن يكره الموت وأكره مساءته).
فالله يكره مساءة المؤمن، ولا بد له من الموت، ولذا قدره عز وجل، فإذا كانت هذه المساءة يكرهها الله عز وجل سبحانه وتعالى لأنه يحب عبده المؤمن، فكيف بما يحصل من أمور عظيمة من الفساد وانتهاك الحرمات، وسفك الدماء في الأرض ظلماً وعدواناً وطغياناً من الكفرة؟ فإن الله عز وجل يكره ذلك، ومع ذلك قدره، وما تردد فيه تردده في قبض عبده المؤمن، وذلك لأن الله عز وجل يحب أن يسمع تضرع المؤمنين، فهل نستفيد مما قدر الله عز وجل علينا من الآلام والمحن؟ فلنعلم أنه ما قدرت هذه الأمور إلا ليسمع الله تضرع المحبين ودعائهم، ويرى تقلبهم في الساجدين، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه عز وجل ويقوم، كما أخبر الله سبحانه وتعالى:{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}[الشعراء:٢١٩] فالله عز وجل يراه وهو يتقلب في الساجدين من أمته صلى الله وعليه وسلم، وهو أولهم وأعظمهم قدراً، فالله سبحانه وتعالى قدر ذلك لنقيم الصلاة ونسعد ونتضرع، قال عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:٤٢ - ٤٣].