قال: ثم كان بين الفريقين من الأحداث ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات إن شاء الله تعالى.
قال ابن كثير: ولهذا قال تعالى: ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ))، أي: تنزلهم منازلهم، وتجعلهم ميمنة وميسرة، وحيث أمرتهم، ((وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))، أي: سميع لما تقولون عليم بضمائركم، وقد أورد ابن جرير هاهنا سؤالاً حاصله: كيف تقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة، وقد قال الله تعالى:((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ)) الآية؟ ثم كان جوابه عنه: أن غدوه ليبوئهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار.
وهذا السؤال طبعاً أخذه من كلمة (غدوت) والغدوة هي: أول النهار، يقال: غدوة وعشية، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم بوأهم بعد الجمعة يكون قد دخل في المساء، أي: في العشي، ولا يصح أن يقال له: غدوت.
فيقول ابن جرير: إن الغدو كان يوم السبت صباحاً، وكان هذا لأجل خروج النبي صلى الله عليه وسلم بعد الجمعة، فما بعد الجمعة لا نسميه يوم الجمعة، ولكن نقول: بعد يوم الجمعة، أي: يوم السبت صباحاً.
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا}[آل عمران:١٢٢]، الآية.
قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب، وقال سفيان مرة: وما يسرني أنها لم تنزل؛ لأن فيها عتاباً، وفيها ذكر بني سلمة بنوع من النقص، وهو: الهم بالفشل، قال: وما يسرني أنها لم تنزل؛ لقوله تعالى:((وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا))، أي: أن الله هو الذي تولى أمرهما، وهو سبحانه وتعالى الذي تولى إصلاحهما، ولذلك كان هذا كرامة لأولياء الله عز وجل، وأن بني حارثة وبني سلمة الذين ثبتهم الله من أوليائه عز وجل؛ لأن الله قال:((وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا)).
قال: وهكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به، وكذا قال غير واحد من السلف: إنهم بنو حارثة وبنو سلمة.