والسحر أصله: ما خفي ولطف، فكل شيء باطل يدخل إلى القلوب أو الأعين بطريقة خفية غير ظاهرة هو من السحر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن من البيان لسحراً) أي: أن بعض الناس بطريقته البليغة وكلامه المنمق يلبس على الناس الباطل، حتى يظنونه حقاً أو يجعلهم يرون الحق باطلاً فهذا نوع من أنواع السحر، ومن ذلك النميمة بين الناس، فالنميمة تفعل فعل السحر، ومن ذلك وسائل الإفساد التي تقلب أنظار الناس حتى تجعلهم يرون الظالم مظلوماً محقاً فيما يفعل، ويرون المظلوم مجرماً مرتكباً لما لا ينبغي أن يفعله، بل ينبغي أن يستسلم استسلاماً تاماً للذبح والظلم والعدوان الذي يقع عليه، فأنت تجد اليهود أعداء الرسل جميعاً لهم أعظم الباع وأكبره في ذلك، بل مسخوا أنظار أكثر العالم حتى جعلوا العالم يرونهم مظلومين مضطهدين في وسط وحوش كاسرة، والعجب أنهم الذين يتصفون بهذه الصفات القبيحة.
والحق أن كل منافق له نصيب من هذه الآية:((وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ))، إذا استعمل الخفية في إبطال الحق وإحقاق الباطل، أو استعمل سحره وبيانه في أن يلبس على الناس حتى يبعدهم عن الإسلام والالتزام بدين الله عز وجل تحت أي مسمى من المسميات.
وأكثر الناس يقبلون السحر، فكان في الماضي بالحبال والعصي، وأما في زماننا فهو أخطر، فقد ظهر بوسائل تغيير العقول عن طريق تعليمها الباطل وغرس حبه في القلوب، وأن تعيش في هذه الدنيا حياة البهائم السائمة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أشرب من هواها، وأنت ترى آثار السحر المعاصر في المشارق والمغارب تملأ السهل والوادي، حتى صارت أكثر البشرية لا تعرف من الدنيا إلا الطعام والشراب والشهوة، وإلا الكبر والعلو في الأرض والفساد، نعوذ بالله من ذلك، وكل ذلك بسبب هذا السحر الخفي، ولكن لا بد لهم أن ينالوا نصيبهم من هذه القاعدة الكلية:((وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ))، فلا بد أن يخيبوا ويخسروا، وكلما ساروا في طريق حصلت لهم عكس النتائج المرجوة، فمدة من الزمن يظهرون، ثم بعد ذلك يخفت سلطانهم ويذهب باطلهم هباءً منثوراً؛ لأن الله قضى قضية عدل:((وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ))، فقضى بحكمه سبحانه وهو العليم الحكيم أن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا من شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته، أقول قولي هذا وأستغفر الله.