[العظة والعبرة في قصص المرسلين المبثوثة في القرآن الكريم]
الله سبحانه وتعالى جعل في قصص أنبيائه ورسله النور والهدى، وجعل فيها اليقين والصبر، وجعل فيها الموعظة والعبرة، وجعل فيها التثبيت لقلوب المؤمنين، قال تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:١٢٠]، وهذه سنة عامة ماضية في كل زمان وفي كل مكان، لا تجد لها تحويلاً، وهي سنة الله التي تمضي في خلقه، ومن يقرأ التاريخ، ويقرأ القصص فيه ويعتبر يجدها سنة ماضية لا تتخلف، قال تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:١٣٧ - ١٤١]، فجعل الله في كتابه النور والهدى، وجعل في قصص أنبيائه ما يرشد المؤمنين إلى طريق الحق، وما يجب عليهم فعله في كل وقت وفي كل مرحلة من مراحل حياتهم ودعوتهم، فإنهم طالما صاروا على طريق الأنبياء فلابد أن تسير دعوتهم بنفس المراحل، ولابد أن يواجهوا نفس المواجهات؛ فإن الصراع بين الحق والباطل قديم منذ وجد الإنسان على ظهر الأرض، بل قبل ذلك، منذ كفر إبليس حقداً وحسداً لآدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فأبى أن يسجد له واستكبر وكان من الكافرين، وبدأ يكيد للأبوين، كراهية وبغضاً وحقداً وضغينة، ففيه كل الصفات المذمومة، وورثها لمن تبعه من ذرية آدم فضلاً عن ذريته التي هي على طريقته وشاكلته والعياذ بالله! لذلك نقول: علينا أن نستلهم هدينا من القرآن العظيم، ومن نوره الذي يهدي به الله عز وجل من يشاء، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:٥٢ - ٥٣]، وذلك لكي نبصر أين نضع أقدامنا؟ وما نصنع فيما يواجهنا؟ فإنا إذا حكمنا غير كتاب الله في هذا الموضع -سواء حكمنا العقول بغير نور، أو حكمنا العواطف بغير ضوابط، أو حكمنا آراء الرجال ومقاييسهم- فإننا سوف نضيع حتماً؛ إذ ليس لنا في الأرض من ولي ولا نصير، وحالنا هو الضعف والعجز والفقر، فعلينا أن نكثر من التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فبذلك نقوى، وبذلك نبصر، وبذلك نرى الحق بفضله سبحانه وتعالى.
وقد صدق عبد الله بن رواحة حين قال: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فالله سبحانه وتعالى جعل في قصص أنبيائه ورسله ما يرشد عباده المؤمنين إلى ما يلزمهم العمل به عندما تشتد عليهم الأمور.