أشاروا بذلك لأنهم كانوا متشوقين لبذل النفوس في سبيل الله عز وجل، ورغم أن هذا لم يكن بالرأي الأصوب من جهة الخطة العسكرية إلا أن المسألة مسألة اجتهادية، ونلحظ من هذا فائدة عظيمة، وهي: قضية استعداد المسلمين للبذل والتضحية في سبيل الله، وشوقهم وحبهم للجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وأن الذين فاتتهم غزوة بدر حزنوا على ما فاتهم من الخير، وهكذا المؤمن دائماً إذا فاته شيء من الخير يحزن عليه، كما ذكر الله عز وجل ذلك عن الذين عجزوا عن الخروج في غزوة تبوك فقال:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}[التوبة:٩٢].
وهذا بخلاف المنافقين؛ فإنهم يفرحون بتخلفهم عن الخير، وعن بذل النفوس والأموال في سبيل الله عز وجل، كما قال عز وجل عنهم:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}[التوبة:٨١].
ومن هذا نستفيد فائدة مهمة جداً، وهي: رغم خطأ هذا الرأي من الناحية العسكرية إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يقبل هذا الرأي منهم، وأن يمضي عليه، ومن سياق القصة الطويل في سورة آل عمران نجد أنه صلى الله عليه وسلم لم يعاتب أحداً اختار الخروج بدلاً من البقاء.
فالمسألة مسألة اجتهادية، وهم اجتهدوا في أي الأمور أصلح: هل يخرجون لقتال المشركين خارج المدينة أم يبقون في الداخل؟ وكان الرأي الأصوب من جهة الخطة العسكرية البقاء في المدينة، ومع ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد ورأى أن أكثر أصحابه يريدون الخروج فخرج؛ مراعاة لما في قلوبهم من أنواع الخيرات، فقلوبهم محبة للجهاد في سبيل الله ومستعدة للبذل والتضحية.
وقد عاتب الله عز وجل من قصر منهم، لكن لم يذكر عتاباً قط على أن هذا كان خطأً من الجهة العسكرية، فلم يذكر سبحانه وتعالى على هذا عتاباً قط، على رغم أنه ما كان ينبغي لهم أن يخرجوا، وأن البقاء في المدينة خير لهم، إنما كان العتاب على المعصية بعد ذلك وعلى مخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى إرادة الدنيا وعدم إرادة الآخرة.