للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب العذر بالجهل]

السؤال

ما هي مراتب العذر بالجهل؟

الجواب

هناك معذور في الآخرة، ومعذور في تكفيره لا في إقامة الحد عليه، أو في العقاب، وهناك معذور في الدنيا والآخرة وهو من لم يقصر في طلب العلم، وهو مسلم نطق بالشهادة ووقع في شرك، لكن بدون تقصير، أو لم يبلغه عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فهذا إنسان معذور ليس عليه عقاب، فنحن نعذره في أحكام الدنيا؛ لثبوت الإسلام، ونعذره في أحكام الآخرة؛ لأن الله عز وجل لا يعذب إلا بعد التبليغ بالقرآن، قال تعالى: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:١٩]، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥] أي: ويبلغه خبره التفصيلي بعد الإجمالي في حق من آمن إجمالاً؛ لأن الإيمان إيمان إجمالي وإيمان تفصيلي، فالذي آمن إجمالاً لا يكون مكذباً أو آبياً أو مستكبراً أو راداً ناقض للإيمان إلا بأن يبلغه التفصيل، فهذا إذا لم يقصر في طلب العلم لا يكفر، بل ولا يأثم، طالما كان هذا هو المتاح له، مثل الذين يأتون في آخر الزمان لا يدرون إلا كلمة لا إله إلا الله، ولا يعرفون غيرها، ولا شك أن الإسلام قد درس في ذلك الوقت، فلا صلاة ولا صام ولا يعرفون أنواع العبادات، فلا يعرفون الصلاة فضلاً عن أن يعرفوا الذبح والطواف والنذر والحلف، لا يعرفون إلا هذه الكلمة إجمالاً بلا تفصيل.

ونحن في زمان يعرف الناس فيه الصوم والصلاة ولا يعرفون الذبح والنذر؛ بسبب انتشار الجهل؛ لأن هذه الصلاة والصيام أشهر من الذبح والنذر والحلف، وذلك لأنها أركان الإسلام الكبرى، ولذلك درست الأمور التي ذكرنا قبل أن تدرس الصلاة.

ومعنى درست أي: انقرض علمها في الناس، وليس انقضى علمها تماماً، لكن قل علمها في الناس، فسوف يأتي زمان لا يدري الناس ما الصلاة نفسها، فلا يعرفون الركوع ولا السجود، ومع ذلك يقولون: لا إله إلا الله، فينجيهم الله من النار كما قال حذيفة رضي الله عنه.

وأما المعذور في الآخرة: فهو الكافر الذي لم تبلغه الرسالة، فهو كافر؛ لأنه لم ينطق بلا إله إلا الله، ولم يعتقدها، ولم يقلها بلسانه، ولكن لم يصله، بلا بلاغ، وقد قال عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥]، فهذا من أهل الامتحان، يقبل عذره حين يقول: رب ما أتاني من رسول، فيمتحن يوم القيامة، وكذا الأحمق والمجنون والأصم فيقول: رب لقد جاءني الإسلام وما أسمع شيئاً، فهؤلاء معذورون في أحكام الآخرة، وأما في أحكام الدنيا فهم كفار، هذا هو المقصد من كلمة معذور في الآخرة، فلا نقول عنه: مسلم، وإن كنا لا يجوز أن نقاتله، ولا أن نسفك دمه، ولا أن نسبي نساءه ولا أولاده، ولا نغنم أمواله بغير أن يبلغ، ومن فعل به ذلك ضمنه؛ لأنه مثل المستأمن حتى يسمع حجة الله عز وجل.

والمرتبة الثالثة: معذور في التكفير لا في إيقاف العقوبة أو إقامة الحد، مثل الخوارج، فقد عذرهم علي فلم يكفرهم، مع أنهم اعتقدوا كفراً، وهو تكفير علي بن أبي طالب وتكفير الصحابة، وتخليد عصاة الموحدين في النار، فهذه عقيدة مناقضة للمتواتر، لكن لم يتواتر عندهم وحصلت لهم الشبهات، فاستحقوا العقاب في الدنيا والآخرة، وقاتلهم علي وقتلهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا يلزم أن يكونوا مخلدين في النار.

وستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ولا يوجد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة أهل السنة من يكفر الثنتين والسبعين فرقة كفراً ناقلاً عن الملة، ولكن يكفر بعضهم بعضاً ببعض المقالات، ومن كان منهم منافقاً في الباطن فهو في الدرك الأسفل من النار.

فالاثنتان والسبعون فرقة كلهم في النار، ولكن لا يلزم أنهم مخلدون فيها، بل منهم من يموت على التوحيد وإن كانوا قلة، والفرق الكبرى يخشى على أصحابها أنهم يموتون على غير التوحيد، لكن من مات منهم على التوحيد رغم البدعة فيدخل النار ويعذب بقدر بدعته، ولكن مآله إلى الجنة.