[فضل العلم والعلماء وخطر الجهل والجهلاء]
تأمل في قول الله عز وجل: ((وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))، فمن أعظم الخطر الذي نهى الله عز وجل عنه: اتباع سبيل الذين لا يعلمون، فكيف إذا كان من يسير في طريق العمل من أجل الإسلام هو من الذين لا يعلمون، فذلك أخطر وأشد، فالجهل من أعظم المخاطر التي تهدد العمل في سبيل نصرة الإسلام.
إن العلم بأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه شرط في تحقق الاستقامة، فلابد أن نتعلم ما يلزمنا، نتعلم الإيمان والإسلام والإحسان، ونتعلم ما أنزله الله عز وجل من الكتاب والحكمة، وهذا لابد منه للدعاة إلى الله عز وجل، وللمجاهدين، والعاملين، والعُباد؛ فإن العلم إمام العمل والعمل تابعه، وإذا عمل الإنسان بغير علم أفسد أكثر مما يصلح.
ومن أخطر ما يتعرض له العاملون في الساحات الإسلامية أن يعملوا على جهل، أو أن يكون الناس مقلدين دون بصيرة، فدين الله عز وجل لابد أن يكون الإنسان فيه على بصيرة، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
فإذا كان أمر العلم بهذه المنزلة فلابد أن يكون من يقود أهل الإسلام ومن يعمل من أجل دين الله عز وجل على علم، والخطر عظيم إن اتبع من لا يعلم، فلابد من تجنب توسيد الأمر إلى غير أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينزعه بقبض العلماء، فإذا قبض العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).
وقد حذر الله أنبياءه ورسله الكرام من اتباع سبيل الذين لا يعلمون، وهم لديهم من العلم بالله عز وجل ما يبين لهم الطريق، ومع ذلك حذرهم من اتباع سبيل الذين لا يعلمون، فكيف بمن دونهم ممن قد يكون عنده من الجهل وعدم المعرفة ونقص العلم ما لا يستبصر به السبل المختلفة المفترقة؟! إن اتباع سبيل الذين لا يعلمون ضياع للدين والدنيا، وهو ضلال وهلاك للناس والعياذ بالله؛ لذا لا يكون الجاهل إماماً للناس، ولا يقود غيره؛ لأنه لا يدري، والتقليد لا ينفع أحداً، والذي ينفع هو العلم بآيات الله والحكمة التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:١٦٤]، هكذا وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فلابد من علم الكتاب والحكمة وهي: السنة، أو أن السنة سميت بالحكمة لاشتمالها عليها، وتكون الحكمة في الكتاب والسنة معاً.
فقد افترض الله سبحانه وتعالى على الناس أن يرجعوا إلى أهل العلم منهم وأن يتبعوهم؛ لأنهم هم الذين يقودون الناس بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى مصالح دينهم ودنياهم.
إن اتباع أهل العلم سبيل للنجاة، ويكون المتعلم على سبيل النجاة باتباعه لسبيل أهل العلم، وأما اتباع سبيل الذين لا يعلمون، واتباع كل ناعق فهذا يؤدي إلى الضياع والهلاك.
ولقد أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام بالاستقامة وعدم قبول التنازلات عن الحق تحت ضغط الفتنة وشدتها، وأمرهم باجتناب سبيل الذين لا يعلمون، وهذا متضمن قطعاً بالأولى أن يكونوا هم من العلماء بأمر الله عز وجل، وأن يتبعوا سبيل من سبقهم من الأنبياء.