وفي هذه المحن والفترات التي يتسلط فيها الأعداء لابد لكل منا أن يستحضر هذه المعاني؛ لأن الله عز وجل هو الذي بيده النصر، وهو الذي يخذل من يشاء، قال تعالى:((إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ))، والناس إذا التفتت قلوبهم إلى الموازين المادية فقط ظنوا أن الأمور لا تتغير، وظنوا أن موازين القوة في الأرض سوف تستمر؛ ذلك لأنهم لا يتأملون العواقب، ولو تأملنا عبر التاريخ كيف سقطت الأمم والحضارات، وكيف أن الله أبدل الناس بعضهم مكان بعض، وجعل بعضهم خلائف لبعض، وكيف أن أمماً في حياتنا رأيناها تنهار ويقوى غيرها ليتسلط بعد ذلك، فلو نظرنا إلى الأسباب التي يقدرها الله عز وجل لعلمنا أن الأمور ليست بيد البشر قطعاً، وهذا أمر محسوس مشهود، فالأمم في عنفوان قوتها، وكثير من الناس يظن أنها لن تبيد حضارتها ولا سلطانها، وأقسم الكفرة في كل زمان بذلك، كما قال عز وجل:{أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}[إبراهيم:٤٤] وهذا أمر عجيب، وهو أن كل الظلمة يقسمون ليقينهم التام بأنه لا يزول سلطانهم ولا يزول ملكهم، والناس في هذه الفترات يظنون هذا الأمر، ولذا فإن كثيراً منهم يبيع دينه بعرض من الدنيا، لكن إذا استحضرنا قول الله عز وجل:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:١٦٠].
وإذا نظرنا في التاريخ فسنعرف كيف انهارت أمم، وكيف تسلط عليها عدوها بعد أن كانت حضارتهم في عنفوانها، وكان سلطانهم قوياً شديداً، فما زالت آثار قوم عاد وثمود باقية تحكي كيف كان تسلطهم، وكيف كان بطشهم بالناس، وكيف كان عنفوان قوتهم، ومع ذلك فقد زال كل ذلك وأصبحوا خبراً، وجعلهم الله عز وجل أحاديث، وفي زماننا رأينا دولاً تنهار في سنوات معدودة، بل هذا -والله- من أعجب آيات الله، لأنه في آخر الزمان تتابع الآيات، فالدولة الفرعونية بأسرها المختلفة استغرقت مدة طويلة وبعدها انهارت، ومكث نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وضل عنفوانهم مدة طويلة، والرومان كذلك.
فلو نظرت إلى قوة الاتحاد السوفييتي السابق في زماننا، وكيف كان في عنفوان القوة ثم انهار ليصبح الناس فيه يتكففون أرزاقهم بأنواع الذل والهوان لعلمت أن هذا الذي وقع في سنوات معدودة كان يقع في الأزمنة الماضية بالنسبة للقوة التي وصلوا إليها في أضعاف هذه المدة من السنين، ولذلك لا تستبعد ولا تستغرب أن تتغير موازين القوى في آخر الزمن في لحظات الآيات فهي أسرع وقوعاً، ففي الماضي كان الزلزال يذكر عبر التاريخ، والآن ترى الزلازل تتكرر في كل يوم, والأعاصير كذلك، وصغر العالم بكثرة وسائل الاتصال يجعل آيات الله سبحانه وتعالى أمام الناظر مرئية، وفي كل يوم يقع شيء يذكر الناس بأن الأرض والسماء ليست بأيدي البشر، وأن قلوب العباد تتقلب في محبتهم وكراهتهم، وفي اجتماعهم وافتراقهم، وقد تجد طوائف من المجتمع انهار بعضها على بعض بالصراع، وتمزق المجتمع بأسره بعد أن كانوا ساكنين ساكتين مقرين بالأوضاع المختلفة، ثم تنفجر الاختلافات بينهم حتى تتمزق هذه الأمة التي كانت قوية.
ومن ينظر إلى أسباب ضعف وتدهور أحوال الأمم يعلم أنها موجودة في ظلمة الكفرة المتسلطين على العالم في زماننا، والذين يظنون أنهم القوة الوحيدة أو نحو ذلك، فأسباب ضعفهم وهلاكهم قائمة وموجودة، ويمكن أن تشتعل في لحظة إذا أذن الله تعالى بنصر المؤمنين، فإنه إذا نصرهم سبحانه وتعالى فلن يغلبهم أحد، ولن يقف في وجوههم أحد بإذن الله تبارك وتعالى، ونعوذ بالله من الخذلان.