إن العبد الذي يكون مع الله سبحانه وتعالى هو العبد المخلص الذي يراقب نفسه ولا يتركها تطمح وتطمع فيما عند الناس، ولا فيما يقوله الناس ويظنونه به، هذا هو الذي ينجو بإذن الله تبارك وتعالى، أي: من يكون مع الله سبحانه وتعالى بلا نظر إلى مدح الناس وذمهم، ومدح الناس هو الذي يسعى إليه أكثر الخلق إلا من رحم الله، ومن هنا كان هلاكهم نعوذ بالله من ذلك، فقول الناس وما يظنونه دفع أناساً إلى الحسد وإلى الكفر وإلى العناد رغم علمهم بالحق، فما الذي دفع كفار قريش إلى أن يكفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام؟ ألم يكن ذلك بسبب ما يقوله الناس: إن بني هاشم سبقوا وقالوا: منا نبي فمن أين لهم أن يكون منهم نبي وليس منا نبي؟! ولذلك قالوا:{لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:٣١] فكلام الناس هو الذي يخافون منه، وهذا من أعظم الخطر.
ألم يكن سبب كفر فرعون هذا الكبر والعياذ بالله، ورؤية كمال النفس التي هي في الحقيقة من أفقر وأضعف وأحقر النفوس، ولكن الشيطان هو الذي يغذي هذا الأمر في نفس كل إنسان، فمن قاومه أفلح ونجح، ومن ترك نفسه على ما يغذيها الشيطان به من أنه هو الأفضل وهو الأحسن وهو الأعلى فهذا هو الذي يغلبه شيطانه، ففرعون قال لقومه:{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥١ - ٥٢].
فإن هذه هي المشكلة الواضحة عند فرعون، وهي اعتقاده بأنه أفضل من موسى، فالعقدة في نفسه هل موسى أفضل منه أم هو أفضل من موسى؟ ولذلك يوازن عند قومه بينه وبين موسى، فكان كفره بسبب هذا الكبر والعياذ بالله، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وهذا هو الذي أدى إلى كفر إبليس والعياذ بالله، قال تعالى حاكياً عنه:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:١٢].