أكثر الفلسفات والتفجيرات البشرية الأرضية تحاول أن تقرأ التاريخ؛ لتعرف مواطن الصراع ومحاوره بين البشر، وطالما لم يستضئ القارئ بنور الوحي المنزل على رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم ينشرح قلبه لحقائق الإيمان، فإنه يذهب مذاهب شتى في تفسير التاريخ والصراع الذي يجري على وجه الأرض، ويحاول أن يستخلص النهايات على حسب فهمه وإدراكه، وإذا لم يكن هناك إيمان بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام كان هناك التخبيط وخلط الأمور، ولذا يسيرون سير العميان، بل أسوأ من ذلك، يسيرن في وسط وهاد وأودية مهلكة تهلكهم والعياذ بالله، ويلعبون كالمجانين، وأعني بذلك الكفرة والمجرمين الذين يحادون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويسعون في الأرض فساداً، ويحاربون دينه، فيظنون أن الأمور بأيديهم، ويتكبرون في الأرض بغير الحق ويقولون: من أشد منا قوة؟! ويعيثون في الأرض فساداً، ترى آثارهم فسادهم في المشارق والمغارب، وتلف من أمثالهم وأشباههم ممن جعلهم الله عز وجل عبرة وعظة للمؤمنين، وإنما ينتفع بقراءة التاريخ قراءة صحيحة من هداه الله.
إنما يهتدي البشر بنور الوحي المنزل من عند الله عز وجل، فقد تكلم أناس كثيرون في أن حقيقة الصراع الذي يجري بين البشر محوره المال، والسلطان التابع له، والقوة الاقتصادية عندهم هي المحرك الحقيقي لكل الصراعات، ولهذا تجد أحدهم يلقن لطوائف أو لملايين من البشر من الشعوب المختلفة، أن معظم الحروب التي قامت، هي من أجل المال والثروة والسلطان، وقد يتأكد ذلك في حس الكثيرين بأنواع الحروب القائمة المعاصرة على الثروات المختلفة، وصراع البشر من أجل المال، ونظروا بناء على ذلك أن الإنسان إنما قيمته ما معه من المال، وأصلوا أننا سوف نحارب، ونسالم، ونوالي، ونعادي، على حسب الأموال، فمن يعطينا أكثر نكون تبعاً له، نظرة تجد أمماً وشعوباً تصدقها، بل آلاف الملايين من البشر قد استوعبت هذه الفكرة واقتنعت بها، وعاشت من أجلها، ولو نظرت من حولك في الناس الذين يعيشون معك لوجدت من هذا النوع ملايين متعددة، لا تعيش إلا لأجل المال، وبعضهم يرضى بأقل القليل من لقمة العيش، لا يعرفون من الدنيا إلا الحصول عليها، ولو بأن يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل ليس بعرض ذا بال عند أهل الدنيا، بل بعرض رخيص لا يساوي شيئاً، يبيعون دينهم من أجله؛ لأنهم اقتنعوا بأن الإنسان إنما يساوي ما معه من المال.
والأمم المفتونة بالمال ليت فقط آحاد البشر، بل شعوب كاملة المال هو المحرك الأساسي لها، والصراع عندهم ليس صراعاً بين أولياء الرحمن وأوليا الشيطان، إذ لا يعرفون إلا أولياء الشيطان فقط، وإنما الصراع من أجل المال.
ومن النظرات التي تفرع منها وهي نظرة مادية محضة، النظرية الشيوعية، والاشتراكية التي مدراها على الصراع بين الطبقات من أجل المال، وأنه لابد أن تسود الطبقة العاملة، وأنشأها عمال في بداية الأمر، ثم انتقلت النظرية إلى بلاد فيها فلاحون، وقالوا: لابد أن تسود هذه الطبقة على غيرها، ومن هنا جعلوا في مجالسهم التشريعية نسباً معينة لهذه الطبقة؛ لتكون هي السائدة، ولتكون هي الغالبة، نظرية عاش البشر بها نحواً من ثمانين سنة أو ما زال بعض البشر يعيشون في ظلها إلى يومنا هذا، شقوا بها، وأشقوا غيرهم، ومات ملايين بل آلاف الملايين، وأجيال تلو أجيال عليها فشقيت بهذه النظريات، وأصلت الصراع بين طبقات المجتمع بدلاً من التعاون بين طبقاته، وزرع التواد والتحاب، فقراءة معينة للتاريخ أخرجت هذا الفكر الذي أخرجه ماركس، ثم طبقه لينين، وسار عليه بقية الأنعام، وما اختلفوا كثيراً عن أمثالهم ممن يعظم المال، بل القضية واحدة، فنظرية الرأس مالية التي عاش ويعيش الناس بها حقبة من الزمن، قد شقوا بها أنواع الشقاء، وهذه النظرية مدارها على الربا، الذي حذر الله عز وجل منه، فبها يزداد الغني غناً وسلطاناً، ويطحن الفقير طحناً، وأمم تحاول أن تستغل كل ثروات الآخرين، وتأكل ما بأيديهم وتعيشهم أذل حياة والعياذ بالله.
فطريقة تفكير وقراءة للتاريخ أنبتت هذه النظريات المنحرفة وآخر يرى في التاريخ أن الصراع الحقيقي بين البشر والمحرك الأساسي له هو الشهوة الجنسية، فالبشر إنما يعيشون لأجل شهوة الرجل للمرأة والمرأة للرجل، ولذا يقدسون هذا الأمر، ومن علامات تقديس ذلك عندهم الكم الهائل من الشهوات المطروحة على البشر، وتعظيم من عنده هذه البضاعة من أهل الإعلام والفن والشهوات المحرمة كلها، وما يدور حول هذا المحور من أنواع التجارات والأعمال، وإنفاق الملايين على الأفلام والأغاني والملاهي التي تدور حول قضية واحدة هي قضية الجنس، وأعمار تنفق لأجل هذه القضية، وتجد هناك من يعيش جامعاً هذه الخزعبلات، ويفسر التاريخ على ذلك، وأسس نظريته على هذه الخزعبلات، وأقنع بها الكثيرين، ثم صارت هذه الأمور هي التي بها تدرك الشخصيات، ويقدم أناس ويؤخر غيرهم، ويملك أناس ويزال غيرهم، بتخطيطات كلها تدور حول هذه المسألة، وحول الشهوات المحرمة في ذلك، وأنواع أخرى كثيرة من النظريات التي مبناها على قراءة خاطئة للتاريخ، ومحاولة باطلة لتفسير السنن التي يقدرها الله عز وجل.