للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام القرآن بالعبر والمعاني العظيمة في القصص دون التفاصيل]

هذه السورة هي معجزة فعلاً؛ لأنها أولاً تنبه الإنسان، وهي موافقة لصفات أهل الكهف في الجملة لا في التفصيل، لكن الذي يقارن بين القصتين يجد أن مضمونهما واحد، ولكن تجد تفاوتاً هائلاً في المعاني التي ترشد إليها هذه السورة، من معاني التوحيد والإيمان، فلا يوجد موضع إلا وهو مرتبط بالعقيدة، بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وآثار هذه الأسماء والصفات، ويبين ويكشف تماماً شخصيات الأنبياء والصفات العظيمة التي فيهم، فيعقوب عليه السلام في صبره وحلمه واحتسابه واستعانته وتعلقه وعلمه به عز وجل، ورجائه فضله سبحانه، وعدم يأسه من رحمته يضرب أروع الأمثلة في الإيمان بالله ورجائه، ويوسف عليه السلام في العفو والصفح والكرم والجود والحلم والصبر والاحتساب، وهذه الصفات تجد الكلام عنها في قصة أهل الكهف، ولا يمكن أن تتوفر في إنسان عادي.

وعندما تقارن القرآن بكتب اليهود والنصارى تجد أن هناك بوناً شاسعاً، فنجد القرآن لا يهتم بتفاصيل؛ لأنها لا تهم المسلم، لكن بني إسرائيل دائماً يُسهبون في كل القصص، فهم أتوا بقولين في امرأة العزيز: القول الأول: أن يوسف عليه السلام تزوجها فوجدها عذراء، فقالت: إن زوجي كان رجلاً لا يأتي النساء، وكنت امرأً جميلاً؛ فاعذرني، فولدت له إسرائيل بن يوسف، قالوا: وهو والد يوشع بن نون.

القول الثاني: أنها وقفت على الطريق سائلة، فقال: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيداً بمعصيته، وجعل العبيد ملوكاً بطاعته، والله عز وجل أعلم.

لكن القرآن أهمل مثل هذه الأقوال؛ لأنها لا تفيد، وبلا شك فإن الله عز وجل أعلم بالذي حصل لها، لكن الله سكت عن ذكرها حتى ننشغل بما هو أعظم وأهم.

وكذلك قضية الأسماء، فقالوا: امرأة العزيز اسمها زليخا، ولم يرد ذكر هذا الاسم في القرآن.

ويطيل أهل الكتاب في ذكر قصة لحظة اجتماع يوسف بامرأة العزيز ويأتون بأشياء وادعاءات تسيء إلى يوسف عليه السلام، فهم مغرمون بتهمة الأنبياء؛ لكي يبرروا لأنفسهم الفظائع التي يعملونها؛ فإذا كان الأنبياء عندهم زناة وشراب خمرة، وفعلوا الأفاعيل، وقتلوا ظلماً وعدواناً؛ فلا مانع عندهم من ممارسة هذه الأشياء التي فعلها الأنبياء بزعمهم.

وعندهم أشياء منكرة، لكنك تجد القرآن لا يذكر الأحداث في اللحظات الحساسة، بل قال مثلاً: ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا))، فالحديث نفسه وقع في خاطره وزال بسرعة؛ ليثاب، ولكي يكون قدوة للشباب في كل وقت، فقد وجد في نفسه الرغبة ولكنه قاومها، وتركها لله لكي يبقى قدوة لغيره، ولكي لا يظن الناس أن الأنبياء لا يقع في قلوبهم ما يقع في قلوب الناس من الشهوات، فقد كان عنده ما عند الشباب، وكان غريباً ووحيداً، والفاحشة لا تسيء في حق الغريب، فهو ليس من أهل البلد؛ ولذلك تجد الذين يسافرون إلى الخارج يكون من السهل عليهم أن يقعوا في الفواحش؛ لأنهم غرباء، وخصوصاً أنه شاب وأعزب ورقيق، والتي تطلبه هي أولاً سيدته، وثانياً: هيأت الأمر له كما قال سبحانه: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:٢٣]، فكأنها تملكه نفسها، فتقول: تهيأت لك، أو تعال إلي، فلفظة (لك) هذه فيها تمليك، وهي سيدته، فهذا امتحان صعب بلا شك.