قال تعالى:{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١٣٨]، أي: قد حصل البيان بأن بلغ الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا القرآن العظيم فيه بيان الأمور على حقيقتها كما يقول ابن كثير، وكيف كانت الأمم قبلنا مع أعدائهم، فمن كذب القرآن جملة فقد قامت عليه الحجة بذلك، ومن صدقه جملة نفعه ذلك نفعاً إجمالياً، إلا أنه لن ينتفع نفعاً تفصيلياً، ولم يعتدل الأمر معه اعتدالاً حقيقياً كاملاً إلا بأن يعرف تفاصيل هذا البيان، ويستضيء بنور القرآن وثنائه، فيرتفع به عن الأرض وموازينها وشهواتها.
وتأمل أن البيان للناس والهداية والموعظة للمتقين؛ لتنظر كيف تنتفع بالقرآن، وكيف تجد طعمه، وكيف ترى نوره، فليس كل الناس يهتدي بهذا البيان، وقد بين الله بهذا الكتاب العظيم ما تقوم به الحجج، فمن قصر في طلب العلم منه فهو آثم، ومن أعرض عنه بالكلية فهو الكافر والعياذ بالله.
وإنما ينتفع به من اتقى الله، فإن كنت تريد أن تنتفع بالقرآن، وتهتدي به وتتعظ بمواعظه، فاعمل بما علمت منه، واعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وتجنب معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وتستشعر وقوفك بين يديه، وحضورك يوم القيامة مسئولاً عن القليل والكثير، والنقير والقطمير، والكتاب الذي يعرض عليك {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف:٤٩]، فتخاف وتتقي، فأنت إن عصيت تسير في طريق شوك، وهذا الشوك الذي يؤلم أجرك هو معاصي الله، ومخالفة شرعه، رغم أن أكثر البشر يظنون أنهم يسعدون بهذه الشهوات، ونسال الله العافية.
فأنت كماش في طريق الشوك ينظر أين يضع قدمه، وكم من الأشواك في حياتنا، بل قل: ألغاماً تنفجر كل يوم، تصيب أحدنا فتدمر قلبه، وتدمر إيمانه وإسلامه، وتذهب بطاعته لله عز وجل، وأكثر الناس لا يشعرون، ويستمرون في مشيهم دون أن ينظروا إلى مواضع الأقدام، فتقوى الله العمل بطاعته، وعلى قدر ما علمت يفتح لقلبك هدايات، قال تعالى:{وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٨] فلا يهتدي ويتعظ إلا من اتقى الله قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة:٢٨٢]، فإذا أشكلت عليك الأمور، واضطربت الأحوال، فلا تدري ما تأتي وما تذر، فاعمل بما تيقنت أنه طاعة من صلاة وصيام، وقراءة قرآن، وغض بصر، وحفظ فرج، وترك ظلم، رباً وغيرها، واترك ما تشك فيه، فإذا عملت بهذا فسوف تهتدي، لكن المشكلة أننا قاعدون ولم نتغير كما ينبغي، ولا ينبغي أن ننظر إلى ما نقدر عليه ثم نتباكى على عجزنا.