للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف من غير الله تعالى من موانع الالتزام]

من أعظم موانع الالتزام لدى الكثيرين: الخوف من غير الله سبحانه وتعالى؛ وذلك أن العالم كله يتهم الملتزمين بأنهم متطرفون وإرهابيون، ويشيعون ذلك، ويصورون حياتهم على أنها شقاء وتعاسة فضلاً عما يعدون لهم من كيد ومكر، فيصورون لك أنك إذا أقدمت على الالتزام فلا بد أن تكون يوماًَ من الأيام من المسجونين أو من المعذبين المضطهدين، أو تصاب بأنواع البلايا والمحن التي يتعرض لها أهل الالتزام، كما أنك لن تجد عملاً ولن تجد مالاً فضلاً عن الشقاء الذي تشقي به نفسك، فتأكد أن هذا كله من الحواجز الوهمية، وعليك أن تعمق الخوف من الله سبحانه وتعالى، واعلم أن الدنيا كلها كطيف أو حلم يأتيك في المنام توشك أن تستيقظ منه، فالدنيا والآخرة هي اليوم الآخر، وأنت نصيبك من الدنيا سنوات معدودة، هي من أولها إلى آخرها يوم، فكم بقي للناس على وجه الأرض؟ قد يكون الآلاف من السنين، لكن نصيبك منها ستون، أو سبعون، أو ثمانون سنة، على أن الواحد منا لو بقي إلى هذا العمر لبقي ضعيف البدن، تعتريه الأمراض، أفمن أجل هذه الدنيا تخاف الناس ولا تخاف الله عز وجل؟! قال عز وجل: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥].

ثم تأكد أن الالتزام فيه الراحة والسكون والطمأنينة، ولو كنت حبيساً بين جدران ضيقة ففيه السعة قال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١] فالانشراح في الصدر يغنيك عن ضيق المكان، كما أن الرضا بالله سبحانه وتعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً يذيقك حلاوة الإيمان، فالله سبحانه وتعالى يجعل لك فرجاً ومخرجاً من كل ضيق وهم، قال ابن تيمية رحمه الله: ما يفعل بي أعدائي؟! أنا جنتي معي، وبستاني في صدري، إن قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة، وتعذيبي جهاد في سبيل الله، سبحان الله! وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وتعالى جعل السعادة في طاعته، وجعل الشقاء في معصيته، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وهو سبحانه يحفظك ويحوطك ويحميك ويدفع عنك الأذى، ووالله كم جرب المؤمنون من دفع الله سبحانه الله تعالى عنهم وحمايته لهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) فإذا حفظت حدود الله حفظك الله عز وجل، ونفعك ورزقك من فضله، فالأرزاق بيد الله لا بيد الناس، وإذا اتقيت الله جعل لك مخرجاً، قال الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:٢ - ٣]، وقال سبحانه في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقاً، يا بن آدم! لا تباعد مني فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً).

إذاً: ما يخوفونك به من دون الله تذكر له قول الله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:٣٦].

واعلم أن من خاف غير الله فقد أضله الله، فلا تخف غير الله، فالخلق لا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياة، ولا نشوراً، فالسعادة كل السعادة في طاعة الله، والرزق في تقواه، والسعة والسكينة في ذكره عز وجل، قال الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

فهذه أمور في كتاب الله مجربة بالفعل، فسعادة الإنسان حين يقترب من الله عز وجل لا تدانيها سعادة، فتأكد من ذلك، وأقدم فقد سبقك سابقون إلى الله عز وجل، ومضوا، فادع الله أن يجعلك معهم.

اللهم اهدينا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت.