للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دخول الشرك في الأسماء والصفات]

قال تعالى: ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ))، الشرك يدخل في قضية الأسماء والصفات، فمن عطل أسماء الله وصفاته وجحدها ونفاها وحرفها، وكذلك من شبه الله بخلقه أو شبه المخلوقين بالخالق فكل ذلك من الشرك، وكل ذلك من الظلم العظيم، وهو وضع الشيء في غير موضعه.

فالإنسان لا يضع ربه في غير موضعه؛ فإن الله عز وجل فوق عرشه، وهو إله العالمين ورب العالمين، ومهما عبد المشركون غيره فذلك لا يغير من الأمر في حقيقته من شيء؛ فإن الله ليس معه من إله كما قال عز وجل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء:٢٢].

وقال تعالى: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) أي: كون الإنسان يشرك بالله فقد وقع في الظلم الأكبر لنفسه، وليس معنى ذلك أنه يظلم الله كما قد يظن البعض ذلك، فهذا خطأٌ، فالعبد لا يظلم ربه، قال عز وجل: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:٥٧].

فإن الله سبحانه وتعالى لا يقدر العباد على ظلمه، ولا يتصور ذلك منهم، ومهما صنعوا فهم في قبضته، بل ما وقع منهم ذلك الشرك إلا بمشيئته وقدره، وإن كان هو عز وجل حرمه عليهم، وإنما قدره لحكمة بالغة، فالله سبحانه وتعالى جعل الشرك أعظم الظلم، فهذه هي التربية الإيمانية.

ونلاحظ في ثنايا الوصية تعليم الأسماء والصفات كما ذكرناه في قصة يوسف، وهذه تجدها كذلك في قوله هنا: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] فقوله: ((إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) هذه تربية إيمانية على تعريف الابن المربى أسماء الله وصفاته، وأنه سبحانه وتعالى سوف يأتي بعملك.

قوله: ((إِنَّهَا إِنْ تَكُ)) أي: إن تكن الفعلة التي فعلتها أو المعصية التي فعلتها، ((مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)) مهما كانت قليلة، ((فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ))، ولو كانت مغلقة عليك، فيربيه على المراقبة لله عز وجل أن الله يبصره، وأنه يعلم ذلك، وأنه خبير بما يفعل، وأنه لطيف سوف يأتي بما دق وقل، وسوف يحاسبه عليه، فيربي فيهم المراقبة والمحاسبة، وهي عبادات قلبية وهي أساس الإيمان، وربط ذلك بالأسماء والصفات كما نجدها واضحة في وصية يعقوب ليوسف عليه السلام كما ذكرنا.

وهذه الأمور من أهم ما يلزم كما ذكرنا في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك).

وهذا تعليم للقضاء والقدر بأوضح عبارة، مع تجنب الفلسفة الكلامية، والعبارات الغامضة، والمباحث السخيفة التي أهلكت الناس والعياذ بالله، وإنما بين له النبي عليه الصلاة والسلام مراتب القدر واضحة جلية، وعلمه أن يستعين بالله وحده، وأن يسأل الله عز وجل وحده ولا يدعو سواه، وأن يحفظ الله عز وجل ويراقبه، وذلك بأن يحفظ سمعه وبصره ويده ورجله، وبين له أن الله يحفظه بذلك، وأنه سوف يجازيه على ذلك، بأن يجده عند الشدة معيناً له، كما قال: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).