[معنى قوله: (واجعلوا بيوتكم قبلة)]
قال كثير من المفسرين في قوله عز وجل: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:٨٧] أي: اجعلوا بعضها يقابل بعضاً، وذلك حتى يقترب بعضهم من بعض، وتتوثق العلاقة فيما بينهم، وتباعد القلوب هو من أعظم أسباب تسلط الأعداء، وإذا اقتربت القلوب كان ذلك من أسباب النصر بإذن الله تبارك وتعالى، ونهى الله عز وجل عن التنازع والفشل، إذ هو سبب الخسران والهزيمة بلا شك.
ونحن نرى أثر ذلك في أمة الإسلام في زماننا هذا وقد بلغت أكثر من ألف مليون إنسان، ومع ذلك يتسلط عليها عدوها لما افترقت كلمتهم، وتباعدت قلوبهم، ولا شك أن التقاء الأبدان على طاعة الله سبحانه وتعالى سبب لاجتماع القلوب بإذن الله، ولو عجزوا عن أن تجتمع أبدانهم، إلا أن الرابطة الإيمانية التي بينهم، إذا قويت وتمكنت، كانت بإذن الله تبارك وتعالى سبباً لنصرتهم على عدوهم.
قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٢ - ٦٣].
فجعل النصرة قرينة الألفة، حيث جعل نصرته لنبيه صلى الله وعليه وسلم قرينة تأليف القلوب بين المؤمنين، بعد أن كانوا أعداء، كما ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:١٠٣].
فالأخوة التي يحبها الله عز وجل هي الأخوة فيه ولأجله، والتحاب فيه سبحانه وتعالى موجب لمحبته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: حقت محبتي للمتحابين في، حقت محبتي للمتجالسين في، حقت محبتي للمتباذلين في، حقت محبتي للمتناصحين في)، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل.
وهذه الأخوة التي يحبها الله سبحانه وتعالى من أعظم أسباب تهوين ما يحصل لأهل الإيمان في فترة بلائهم، وامتحانهم بتسلط عدوهم.
والتفسير الثاني في قوله سبحانه وتعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:٨٧] أي: صلوا في بيوتكم، وذلك إذا عجزوا بسبب تسلط آل فرعون عليهم من أن يصلوا في أماكن عبادتهم في مساجدهم، وذلك أمر عظيم الأهمية، وهو أن تكون البيوت محل العبادة، فإذا عمرت بعبادة الله عز وجل وذكره، كان ذلك من أعظم أسباب سكينة القلوب، ومن أعظم أسباب نزول النصر من عند الله عز وجل.
ولا بد أن تكون الأحوال الإيمانية لأهل الإيمان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتصورهم عما يقع لهم في ميزان القوة والضعف مع عدوهم.
فكلما اقتربوا من الله عز وجل بصلاتهم وصيامهم وذكرهم وتلاوتهم قواهم الله عز وجل، واقترب ما وعد الله سبحانه وتعالى من الوعد الحق بنصرة الحق وأهله بإذن الله.
وإذا نقص الإيمان والإسلام في قلب العبد، أو في قلوب الطائفة المؤمنة كان ذلك إيذاناً بطول فترة المحنة والبلاء.
نسأل الله العافية.