ماذا حققنا من علم واجب علينا ونحن نعلم؟ ومن لا يعلم نقول له: إن العلم الواجب على كل مسلم ومسلمة وعلى الطائفة المؤمنة كذلك نوعان: نوع هو فرض عين على الأمة كلها، يعني: فرض عين على كل واحد من الأمة لا يسعه أن يكون جاهلاً به، وهذا هو علم الإيمان والإسلام والإحسان الواجب، فلابد أن يكون الإنسان على علم بالدين، كما قال صلى الله عليه وسلم:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فيفهم من ذلك أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد الله عز وجل به خيراً، قال سبحانه وتعالى:{وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٨]، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}[المنافقون:٧].
فتبين بذلك أن من خصال النفاق ومن خصال المنافقين عدم التفقه في دين الله عز وجل، وعدم العلم بدين الله سبحانه وتعالى.
وكان السلف يعدون من ذلك أشياء لو نظرنا إلى عامة من يظهر منه الالتزام اليوم لوجدناها موجودة فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كان زيد بن صوحان رحمه الله أحد التابعين في درس له في المسجد وكان في المجلس أعرابي، وكان زيد قد قطعت يده اليسرى في إحدى الغزوات، فقال الأعرابي: إن كلامك ليعجبني وإن يدك لتريبني! فاستغرب زيد فقال: وما يريبك منها؟ إنها الشمال، فقال: والله ما أدري أتقطعون اليمين أم الشمال؟ فقال زيد: صدق الله: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}[التوبة:٩٧].
فالأعرابي لا يدري أي اليدين تقطع اليمين أو الشمال، وهذا يدل على وجود شيء من النفاق في قلبه، وإن لم يكن من النفاق الأكبر، والعياذ بالله، لكن علامة من العلامات، وهو يدل أيضاً على أن الجهل أمر فظيع.
إذاً: فلينظر وليقف كل منا إلى مجموع طائفتنا كم منا من يعرف أن اليمين هي التي تقطع أم الشمال؟ فإذا قلنا: من أين تقطع؟ أتقطع من المرفق أم تقطع من الكوع الذي هو الرسغ أم تقطع من الإبط مثلاً كما يقول الخوارج؟ وفي أي شيء تقطع؟ فالحقيقة إذا نظرنا إلى هذا الأمر لوجدنا أن كثيراً جداً من الملتزمين لا يعرفون أصلاً أن اليمين هي التي تقطع، وأنها تقطع مثلاً من الكوع، وهذا أمر كان عند السلف في وقت من الأوقات علامة على الجهل الشنيع، يعني: كون الشخص لا يدري من أين تقطع اليد في السرقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذاً: ضياع العلم علامة على الخطر العظيم، فنقول: هناك علم طلبه فريضة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
هذا هو النوع الأول من أنواع العلوم، وهو كما ذكرنا علم الإيمان والإسلام والإحسان، ففرض على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم من علم الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وما تدل عليه هذه الكلمة من نفي الشرك، ومن بطلان أي عبادة لغير الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أصول التوحيد الواجبة التي لابد أن يحققها حتى تصح شهادته وتنجيه من النار، والجهل بأنواع الشرك المنتشر في الناس الذي يوشك الناس أن يقعوا فيه، ومن وقع فيه فصاحبه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة؛ لأنه وقع فيه عن جهل، لكن هذا لا يعفيه من الإثم، فلا نعني بالعذر بالجهل أنه معذور، بمعنى زال عنه الإثم تماماً، طالما كان مقصراً في طلب العلم فهو آثم إثماً عظيماً؛ لأنه يجهل أمراً من أمور دينه وتوحيده.