[مجمل ما يجب تعلمه من أمور الدين]
النبي عليه الصلاة والسلام قد بين حكم أمور الإسلام الواجبة، بين أركان الإسلام التي بني عليها، وليس معنى ذلك أنها فقط هي الإسلام لكن هي أركانه التي تركها وعدم فعلها يدل على انحلال قيد الاستسلام أو اختلاله، إما أن ينحل بالكلية ويضيع إسلام المرء، أو يختل على الأقل.
فهذه الأبواب التي لا يكاد يصل إليها إلا من نعتبره عندنا متخصصاً أو طالب علم مهتماً جداً كأن يكون قرأها ودرسها على المشايخ، ومع ذلك هناك من طلاب العلم المتخصصين في الدراسات الشرعية من تكون هذه الأبواب عنده غامضة جداً؛ لأن الطلاب في الغالب الأعم لا يكادون يصلون إليها، وإنما قبل الامتحان ينظر الطالب في المسائل المحتملة أن تأتي في الامتحان، وليس نيته أن يدرس دين الله عز وجل ويتعلم الدين، فهذا الأمر خطير بلا شك، ولذلك تجد في هذه المسائل أعاجيب حتى ممن قد يكون قد حصل على شهادات رسمية وأهل في هذا الجانب.
نقول: إن تعلم الإسلام فرض عين، فهل نحن أخذنا هذا الأمر بجد وبقوة كما أمرنا الله سبحانه وتعالى؟ فرض عين على المسلم أن يتعلم علم الإيمان، أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن يتعلم من هو المسلم ومن هو المؤمن ومن هو الكافر؛ لأن هذه الأمور يترتب عليها الولاء والبراء، ويترتب عليها الحب والبغض، ويترتب عليها كثير من المعاملات من الحلال والحرام فيما يجوز بين المسلم والمسلم، وما لا يجوز مع الكافر.
وليس معنى ذلك أن المرء يقر بوجود الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ويحفظ خمس كلمات أو ستاً، لا، بل عليه أن يعلم تفاصيل ضرورية في هذه الأركان، لابد أن يعلم توحيد الله، من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله عز وجل، وليس المقصود أن يعلم حجج وشبهات أهل الباطل والرد عليها، لكن يعلم ما تصح به عقيدته في الله عز وجل، يعلم أن الله بكل شيء عليم، وأن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه وتعالى واسع المغفرة، وحتى يؤدي العبادات الواجبة التي هي داخلة في أمر الإحسان عليه، وأن يخلص لله عز وجل، وأن يخاف الله عز وجل، وأن يرجوه، وأن يطمع في رحمته، وأن يدعوه رغباً ورهباً، وأن يتوكل عليه، وكله مبني على معرفة الأسماء والصفات؛ لأن هذه عبادات واجبة من لم يؤدها كان ناقص الإيمان أو منعدم الإيمان، كما قال تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥]، وقال عز وجل: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:٤٠]، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، وقال الله عز وجل: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣]، وقال الله سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:١٢٢]، وقال الله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:١٧٢].
أي: لابد أن تعلم أن النعمة من عند الله فتشكرها، ولابد أن تصبر على ما يصيبك؛ لأنك تعلم أنك لله وأنك إليه راجع، وأن الله هو الذي يقدر الأمور سبحانه وتعالى بقدرته وعلمه وحكمته، ولابد أن تعلم أن الله حكيم لا يضع شيئاً في غير موضعه، لابد أن تعلم هذه الأصول العظيمة من الإيمان بأسماء الله وصفاته التي تترتب عليه العبادات الواجبة، التي هي ضمن أمر الإحسان الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، هذا مبني على علم الإيمان الذي أوجبه الله عز وجل.
كذلك لابد أن تعلم الإيمان بالملائكة، وكيف أنها خلقت من نور، وأنهم يطيعون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى عنهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦]، ولابد أن تعتقد أمانتهم واجتهادهم في العبادة.
كذلك لابد أن تؤمن بالرسل الذين أرسلهم الله عز وجل وما يجوز لهم وما لا يجوز عليهم، وما يمكن أن يقع منهم، وكيفية معاملتهم؛ وإلا فقد يضل الإنسان بسبب جهله وسبب عدم معرفته بحق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وما تلك البدع المنتشرة فيما يتعلق بالرسل وبالأولياء وغير ذلك إلا من جهل كثير من الناس؛ لأنهم لو علموا أن الرسول بشر من البشر وبالأولى الولي لعلموا أن الرسول أو الولي لا يملك أن يغيث، ولا أن يسمع كل الأشياء، ولا أن يبصر كل شيء، ولا أنه يقسم الأرزاق مثلاً، فينبغي أن يعلم المعلم أن صفات الرب عز وجل ليست صفات للنبي ولا صفات للولي، فلا يتوجه إلى هؤلاء بصرف العبادة لهم ودعائهم.
لابد أن يعلم أصول الإيمان باليوم الآخر، بما في ذلك أشراط الساعة، وما يكون من عذاب القبر ونعيمه، وما يكون من أهوال القيامة، هذه فروض عين على كل إنسان أن يتعلمها، ولا يجوز أن يجهل هذه الأمور.
وسأضرب مثالاً على ذلك: لماذا حدث اضطراب عظيم جداً عند الناس نتيجة أن ممثلاً في تمثيلية قال يوماً: لا يوجد شيء اسمه عذاب القبر؟ فالناس أصابهم ذهول وشك ولا يدرون حقيقة الأمر؛ لأنه لا يوجد عندهم علم راسخ، فهم يأخذون الآن اعتقاداتهم من تمثيلية نسأل الله العافية! وهناك كتب كثيرة جداً تناولت أشراط الساعة فيها الكثير من البدع والمنكرات، وأصحابها أصحاب دراسات عليا في الشريعة أو في الأزهر الشريف، يقول أحد هؤلاء الكتاب: إن المسيح الدجال يظهر في ربيع (١٩٩٢م)، وآخر يقول: المسيح الدجال سيظهر من مثلث برمودا، وغير ذلك من الأعاجيب، لماذا هذا الخلل العظيم وهذا التقصير الشديد حتى من أناس داخل دائرة الالتزام ظاهرياً.
أما عن قضية الإيمان بالقضاء والقدر، فهي قضية بلا شك مزلة أقدام، وموضع ضلال للكثيرين الذين لم يتعلموا منهج أهل السنة والجماعة في ذلك، وإنما أخذوا اعتقادهم من مجرد حديث يسمعونه أو من كلمة قد يقولها قائل في الطريق، ولم يهتموا بهذه المسألة ولم يبحثوا فيها، ولم يتعلموا هذه المسألة العظيمة التي هي ركن من أركان الإيمان، والتي لو أنفق الواحد مثل أحد ذهباً في سبيل الله وكان مخلصاً لما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر كما قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما؛ لأن الإيمان بهذه الأصول الستة شرط في قبول العمل، حتى ولو كان العمل خالصاً فإنه لا يقبل إلا بالإيمان بهذه الأصول.
فهذه أصول الإيمان يلزم كل مسلم أن يتعلمها، بل وفرض عين كما ذكرنا حتى يحقق معاني الإيمان.
وأما الإحسان فالواجب كما ذكرنا هو أن يعبد الله سبحانه وتعالى مخلصاً خائفاً راجياً، يعني: يحقق معاني العبودية كأنه يرى الله سبحانه وتعالى.
فالقدر الواجب من ذلك أن يوجد في قلبه التوكل الواجب، والحب الواجب، والخوف الواجب؛ لأن كل هذه العبادات فيها قدر واجب أشار إليه القرآن وبينه الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
وقال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤].
فسمى الله تعالى من كان حب هذه الأشياء في قلبه أكبر من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاسقاً، والعياذ بالله من ذلك.
وسائر عبادات القلب من شكر نعمة الله، والرضا بقضائه سبحانه وتعالى، والرضا به رباً وإلهاً وبالإسلام ديناً.
كذلك الولاء والبراء، يعني: الحب في الله والبغض في الله، كل هذه من الواجبات التي هي أعمال القلوب الضرورية التي لا يثبت الإيمان إلا بها، وهي ضمن الإيمان في الحقيقة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعلها باسم الإحسان تنبيهاً على أهميتها وشرفها ومراقبة الرب سبحانه وتعالى في أدائها، والله أعلم.
هذا هو النوع الأول من العلم المطلوب.