للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمكين الله لإبراهيم من العلم والعمل]

أتى الله عز وجل إبراهيم رشده من قبل، أي: من أول نشأته -على أحد الوجهين- أو من قبل موسى وهارون اللذين سبق ذكرهما قبل ذلك في سورة الأنبياء، فآتى الله عز وجل إبراهيم رشده وفهمه وعلمه من أول نشأته، وهذه فضيلة لمن نشأ في طاعة الله عز وجل وعلى دينه، وذلك كما قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عندما تناظروا في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء غيرها، فدل ذلك على أن من ولد في الإسلام فقد أتم الله عز وجل عليه نعمته، وجعله من أول نشأته على الهداية والفطرة المستقيمة، فهذه نعمة لا يقدرها كثير من المسلمين، ولا يرون فضل الله عز وجل العظيم عليهم في ذلك؛ لأنهم لم يقارنوا بينهم وبين غيرهم ممن لم يؤت رشده، ولم يهد إلى الصراط المستقيم في أول نشأته.

والله سبحانه وتعالى يحب الشاب الذي ينشأ في عبادة الله، وإنها لفرصةٌ عظيمة أن تنشأ في ظل هذا الدين بفضل الله، وأمامك هذا الالتزام الميسر بالدعوة والمنهج الحق، والسنة بفضل الله ميسرة لمن طلبها وسلك سبيل تعلمها والتزامها، فما أكثر من يعرض عن نعمة الله فلا يشكرها، فلا تكن من هؤلاء، واعلم أن من فضل الله عليك سرعة الالتزام في أول النشأة، فهو من أعظم ما يهيئ لك الاستمرار على الالتزام على الخير من العلم والعمل الصالح في مستقبل العمر، فإن من حفظ جوارحه لله في شبابه حفظها الله عليه في آخر عمره (هكذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس وهو غلام حيث قال له: احفظ الله يحفظك).

وإيتاء الله إبراهيم رشده من أول نشأته فيه ردٌ على من يفسر نظر إبراهيم في النجوم على أنه كان يبحث عن الله عز وجل، فإبراهيم كان على الفطرة السوية المستقيمة من أول نشأته، وكيف يتسنى له أن يبحث عن الله وهو يجزم لأبيه وقومه أنهم في ضلال مبين؟! فهو إنما كان يناظر قومه؛ لأن الله آتاه رشده من أول نشأته، وهو عز وجل عليم يضع الأشياء في مواضعها، فيضع الهدى في من يستحق أن يكون من المهتدين، ويضع الشكر في من يستحق أن يكون من الشاكرين الذين يقبلون نعمة الله عز وجل، والله سبحانه قسم الأرزاق والأخلاق والأعمال والأقوال بعلمه وحكمته، فوضع البذر الطيب في الأرض الطيبة، ووضع البذر الخبيث في الأرض الخبيثة، وهو سبحانه وتعالى أعلم بالشاكرين، وأعلم بالظالمين، وأعلم بمن هو أهل لرسالته، فلقد قسم سبحانه فضله على عباده المؤمنين بعلمه السابق، وبرحمته وحكمته، فلا يعترض عليه أحد، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون؛ لأنه لا يفعل شيئاً إلا بعلم وحكمة.