والله سبحانه وتعالى يحب منا عبادة الصبر، بل هي المفتاح الذي إن وجد مع التقوى غير الله عز وجل ما بنا، ورد الله عز وجل كيد أعدائنا، فالمشكلة عندنا هي عدم الصبر والاحتساب ورجاء الفرج من عنده سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يفرج كربات المسلمين، وإنما قدر الكربات ليصبروا، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}[الفرقان:٢٠]، وهو البصير سبحانه قبل أن يصبروا وبعد أن يصبروا، ولكنه يحب عز وجل أن يرى صبرهم ويحب أن يثيبهم عليه.
والله سبحانه وتعالى قدر أن يُبتلى المؤمنون بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وليس ذلك جارياً عليهم بكيد أعدائهم، وإنما يجري عليهم بتقدير الله عز وجل، فالله تعالى قال:((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ))، ولم يقل: وليصيبنكم، وإنما قال:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:١٥٥ - ١٥٧] فكيف تحصل الصلوات؟! وكيف تحصل الرحمة؟! وكيف يحصل الصبر؟! وكيف يشهد المؤمنون أنهم ملك لله عز وجل يفعل بهم ما يشاء وأنهم إليه راجعون فيحققون الإيمان باليوم الآخر؟! وكيف يحدث ذلك بغير آلام؟! إن ولادة المولود لابد من أن تسبقها آلام المخاض، وهكذا ولادة التمكين لأمة الإسلام لابد من أن تسبقها تلك الآلام وهذه الدماء إلى أن يولد ذلك الذي كتب الله حياته، فالمجتمع المسلم لا يموت بإذن الله تبارك وتعالى إلى يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة).
فإن ماتت طائفة وسفكت دماؤها وانتهكت حرماتها ولدت من بعدها طائفة أخرى، ولكن مع آلام الأولى والثانية، إلى أن يأذن الله عز وجل بالنصر والتمكين.