فالله عز وجل قدر هذه الآلام والمحن لكي نؤمن ونصدق مع الله عز وجل، ولكي نكون صادقين في قولنا:(آمنا) كما قال الله عز وجل: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:١ - ٣]، ونحن نعلم أنه يعلمهم سبحانه وتعالى كل شيء قبل خلق هذا الوجود كله، فصفة العلم صفة أزلية من صفات الله عز وجل، فالعلم الأول ثابت قبل وجود المخلوقات، فالله كان بكل شيء عليماً، ولم يزل سبحانه وتعالى عليماً بكل شيء، ولكن ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين علماً يحاسبهم عليه، فيعلمه علم شهادة بعد أن علمه علم غيب، ليرى أنه قد وقع منهم، والله يحب أن يرى منا الصدق، كما قال ابن عباس: ليرى الذين آمنوا أو ليرى الذين صدقوا.
فالله عز وجل يحب منا الصدق، والصدق ليس فقط في الكلام، بل قد قال الله تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣]، وقد نزلت هذه الآية في مثل أنس بن النضر رضي الله تعالى عنه، وفي إخوانه الذين صدقوا في العمل بعد أن صدقوا في القول رضي الله تعالى عنهم.
والله عز وجل يحب أن يوجد من المؤمنين من يبذل نفسه وماله وكل شيء عنده في سبيله عز وجل، ويحب كذلك هذه الدماء التي تراق في سبيله؛ لأنها أريقت حباً من أصحابها له عز وجل، ونصرة لدينه، وهو سبحانه وتعالى يتقبلها منهم، (ويبعثهم يوم القيامة وجراحهم لونها لون الدم، وريحها ريح المسك)، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك قدر الله أن يتسلط الكفار على المسلمين، ليستشهد من يستشهد، وليظهر المنافقون والبخلاء والجبناء، كما قال تعالى:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ}[آل عمران:١٦٧].