في قدرته عز وجل أن يؤمن أهل الإيمان على الدوام، وهو سبحانه وتعالى قدر الابتلاء بشيء من الخوف؛ لتظهر عبودية الصبر، وعبودية التصديق واليقين بوعد الله، واليقين باليوم الآخر، وأنواع الإيمان والإسلام والإحسان، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:١٥٥ - ١٥٧] فإذا وجدتَ الطريق إلى الله سبحانه وتعالى عليه مخاوف وعقبات فاعلم أن ذلك لك، وأن ذلك لمصلحتك، لتزداد إيماناً وإسلاماً، كما قال سبحانه وتعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٢ - ١٧٣].
ما إن قالوا لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، حتى كان ذلك سبباً لزيادة الإيمان، فالله عز وجل جعلهم يزدادون إيماناً عندما قالوا لهم: فاخشوهم، وعقب بالفاء:((فَزَادَهُمْ إِيمَانًا)) وسرعان ما يزداد الإيمان مع هذه التهديدات التي يريدون بها الصد عن سبيل الله، لكنها تدفع المؤمن إلى اللجوء إلى الله عز وجل، والتوكل عليه والاحتساب، وتدفعه إلى أن يتذكر أمر الآخرة، ويزداد عبادة لله عز وجل من صلاة وركوع وسجود وصيام وغير ذلك، فيزداد إيماناً مع إيمانه، وكذلك يحضر في قلبه معاني الإيمان كأنه يراها بعينيه، فهو يعبد الله كأنه يراه فيزداد إحساناً، فعند ذلك ينتقل إلى مراحل أخرى وأطوار أخرى بفضل الله، قال تعالى:((فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)).
إذاً: لا تتوقع أن تجد الطريق إلى الالتزام مفروشاً بالورود، ولا تنتظر أن يكون من حولك معيناً لك على أسباب الخير، ولا تعلق التزامك على أن تجد الطريق آمناً، بل ستجد فيه من المتابعة، والمخاوف، والمضارة ما يزيدك بفضل الله عز وجل إيماناً، كما قال سبحانه وتعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}[الشعراء:٥٢] فلتعلم أنك تسير في طريق وسوف يطلبك غيرك فيه ويتابعونك؛ ليردوك ويصدوك، فلن تجد الطريق إلى الجنة مفروشاً بالورود، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فالجنة حفت بالمكاره حتى ظن جبريل أو خشي جبريل ألا يدخلها أحد، وحفت النار بالشهوات حتى خشي جبريل ألا ينجو منها أحد، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.