أما المنطلق الثاني فهو منطلق الحلم، معناه: أن يكون الإنسان رحيماً شفيقاً يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن، يعلم أن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه).
فالأصل في الدعوة إلى الله الرفق والعنف طارئ، فالعنف إنما يستعمل عند الضرورة ولا ننفيه بالكلية، فإن نفي العنف بالكلية يؤدي إلى ترك الجهاد، لكنه ليس هو البداية الأصل، ولا يصح أن نقول: لا عنف في الإسلام مطلقاً، ولكن الأحب إلى الله عز وجل الرفق، والعنف يستعمل في موضعه وبالضوابط الشرعية كما ذكرنا، مثل الجهاد في سبيل الله، وتغيير المنكر باليد، وغير ذلك بضوابطه الشرعية، وليس أن الدين مطلقاً ليس فيه عنف ولا شدة، فمثلاً: الأب إذا رأى ابنته مع شاب! فلا شك أنه يبدأ المعالجة بالرفق واللين، لكن لابد من وجود نوع من العقاب في كثير من الحالات، وليس أن الأمر دائماً يتوقف بلا عنف، ولذلك نعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الرءوف الرحيم بالمؤمنين، ومع ذلك جلد في الحدود، ورجم صلى الله عليه وسلم، وقطع الأيدي، وجاهد في سبيل الله عز وجل، كل ذلك في موضعه، قال الله عنه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:١٥٩].
إذاً: فلابد أن نكون رفقاء في الدعوة إلى الله عز وجل ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، وما دام الأمر -كما ذكرنا- في بدايته فلابد أن يكون الرفق هو الأصل، ونعلم أن من صفات المؤمن التي يحبها الله عز وجل الحلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس:(إن فيك خصلتان يحبهما الله: الحلم والأناة)، أي أنه يتأنى، ولا يقدم على الأمر مباشرة من غير بحث ومعرفة وتمهل، فلابد من هذه الأمور.