[ذكر ما أصيب به المصطفى يوم أحد]
ذكر الواقدي عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحداً فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها كل ذلك يصرف عنه، ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري].
الذي هو عم الإمام محمد بن شهاب الزهري.
[يقول يومئذ: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ليس معه أحد -واقف بجانبه وهو يقول: دلوني عليه- ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان -يقول له: كان واقف بجانبك- فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنه منا ممنوع، خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك.
قال الواقدي: والذي ثبت عندنا أن الذي رمى في وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن قمئة، والذي دمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص.
قال ابن كثير: [وقال أبو داود الطيالسي: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد أي: قال: ذاك يوم كله لـ طلحة، ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد -أول من رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام- فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه، وأراه قال حمية فقال: فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلاً من قومي أحب إلي، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه].
طلحة أسلم على يد أبي بكر رضي الله عنه، لكن هو يعرف أن طلحة هو الذي يقدر أن يدافع على النبي عليه الصلاة والسلام، فتمنى أن يكون طلحة وبدا أنه ليس هو الذي كان يقاتل في ذلك الموقف، يقول: [لو كان رجلاً من قومي أحب إلي] من أن يكون من بلد آخر، كأن يكون واحداً من الأنصار مثلاً أو من غيرهم.
قوله: [وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وهو يخطف المشي خطفاً لا أخطئه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح].
معنى: [خطفاً لا أخطئه].
يعني: خطفاً لا أعرفه، وفي رواية: لا أحفظه.
قال: [فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته، وشج في وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكما صاحبكما) يريد طلحة وقد نزف، فلم نلتفت إلى قوله، قال: وذهبت الآن أنزع ذلك من وجهه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، فتركته] وحديثه هذا فيه ضعف.
قال: [فكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزم عليه بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته مع الحلقة].
سن أبي عبيدة بن الجراح وقعت مع حلقة المغفر، وهذه قصة ثابتة مشهورة؛ لأن اللفظ الذي هو غريب منكر هو قوله: أقسمت عليك بحقي، فإن الحلف بغير الله لا يجوز.
قال: [ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة أحسن الناس هتماً].
الأهتم هو من تكسرت ثناياه من أصلها.
[فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه].
فأبقاه الله عز وجل لقتال المشركين والكفار بعد ذلك في الوقائع العظمى رضي الله عنه.
[ورواه الهيثم بن كليب والطبراني، وعند الهيثم قال أبو عبيدة: أنشدك الله يا أبا بكر! إلا تركتني؟].
ولعل هذا هو الأقرب.
[فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استل السهم بفيه فبدرت ثنية أبي عبيدة وذكر تمامه، واختاره الحافظ الضياء المقدسي، وقد ضعف علي بن المديني هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا فإنه تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وغيرهم.
وروى ابن وهب عن عمر بن السائب: أنه بلغه أن مالكاً أبا سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مص الجرح حتى أنقاه -أي: من الدم- ولاح أبيض فقيل له: مجه - أي: اتفل الدم- فقال: لا والله! لا أمجه أبداً ثم أدبر يقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد)].
وهذا أيضاً ضعيف، فلا يستدل به على طهارة الدم، وبعضهم يقول: طهارة دم النبي صلى الله عليه وسلم وفضلاته خصوصية، وليس على هذا دليل.
[وقد ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن].
وضع الماء في الترس؛ لأنه ليس عندهم أدوات.
[فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح فاستمسك الدم].
هذا فيه مشروعية المداواة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى من جرحه.