انظر إلى العادات التي تعودت عليها، وانظر ماذا يخالف شرع الله عز وجل منها، وما يعيقك عن لذيذ العلم والعمل، ثم اهجره، واهجر كل ما نهاك الله عز وجل عنه؛ لكي ينطلق قلبك إلى الله عز وجل، وذلك أن الهجرة هي هجرة إلى الله وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وتكون بالقلب كما تكون بالبدن، عندما يشرع بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، لكن الهجرة بالقلب فرض في كل حين.
الهجرة إلى الله: أن تهجر كل ما نهاك الله عز وجل عنه، فتهجر التوكل على غيره إلى التوكل عليه، والخوف من غيره إلى الخوف منه وحده، وحب غيره والحب لغيره إلى الحب له وفيه سبحانه وتعالى، ورجاء غيره وابتغاء غير وجهه إلى رجاء فضله وابتغاء وجهه سبحانه، وهكذا في كل عبادة من العبادات تهجر ما نهاك الله عنه إلى ما يحبه سبحانه وتعالى ويرضاه.
وأما الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكما يقول ابن القيم رحمه الله: هي سفر النفس في كل مسألة من مسائل الإيمان وحادثة من حوادث الأحكام، ومنزلة من منازل القلوب إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فخذ كل مسألة طلعت عليها شمس رسالته، وإلا فاقذفها في بحر الظلمات، وكل شاهد عدله هذا المزكي، وإلا فعده من أهل الريب والظلمات.
فهذه الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تهاجر إليه بالفعل عندما تشتد الفتن، وتكثر العقائد الفاسدة، والعبادات الباطلة والبدع فيها، ويترك الناس العبادة الصحيحة، وربما تركوا العبادة بأسرها، فصارت الصلوات مهجورة، والزكاة لا تؤدى، والصيام الواجب يجهر فإفطاره، ويقل الحج، بل تعثر خطوات من يريده، ونحو ذلك، فإذا حدث ذلك، فأداء العبادة في هذا الوقت أعظم.
وكذلك تكون الهجرة بالقلوب، وأحوال الأخلاق، عندما تتغير القلوب والأخلاق، ويكون الالتزام بالسنة في هذا المقام هجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فللمسلمين نصيب في الهجرة في كل وقت، وليست مقصورة على انتقال البدن الذي به يكون الإنسان مبتعداً عن رؤية أهل الكفر والفساد والظلم، مع إقرارنا أن رؤيتهم ومعاشرتهم من أسباب شقاء الإنسان، ومن أسباب العذاب إلا أن يكون داعياً إلى الله، فيعاشرهم بشرع الله لأجل الدين، ويدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى.