قال:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ}[يونس:٨٣]، لم يكن الإيمان مع الأمان، ولم يكن الإيمان مع سهولة الطريق، ولم يكن هذا الإيمان مع وجود مرغبات، بل مع وجود الخوف من الفتنة، {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلإهِمْ}[يونس:٨٣] وهذا دليل على أنهم من أهل مصر؛ لأن الملأ من بني إسرائيل كانوا مع موسى عليه السلام، أما الملأ الذين خافوا الفتنة فهم ملأ فرعون الذين استجابوا للحق رغم تعرضهم للمخاطر، وهذا الإيمان الذي يكون مع العقبات والتهديدات ثوابه عند الله سبحانه وتعالى من أعظم الثواب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد).
فهو يبين فضله صلى الله عليه وسلم لنعلمه، ويبين فضل من أخيف في الله سبحانه وتعالى فصبر، وفضل من أوذي في الله سبحانه وتعالى فصبر، هذا الإيمان رغم العقبات، وهذا العمل الصالح الذي من أجله قدر الله عز وجل وجود من يفتن أهل الإيمان؛ لأنه يحب سبحانه وتعالى أن يظهر من أهل الإيمان آثار حبهم لله عز وجل، وآثار إيثارهم له عز وجل على من سواه، وآثار خوفهم منه سبحانه وتعالى دون من سواه، رغم أنهم يخوَّفون بأنواع الأذى والاضطهاد، ويقع في قلوبهم ما يقع من الخوف الفطري من هذه الأمور المؤلمة، ومن الفتن والعذاب والقتل وانتهاك الحرمات، وقد تهدد فرعون مرة أخرى بعد ظهور الآيات:{قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}[الأعراف:١٢٧]، ولقد فعل ذلك بالمقربين منه، فمما ذكر: أنه ممن قتلهم بأشنع القِتْلة امرأته المؤمنة، وكذلك فعل بمن آمن، ومع ذلك فاستجاب المؤمنون وعلموا أن ذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى.