[تحريم الربا والترهيب منه]
ورد في الترهيب من الربا جملة من الأحاديث: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة -أي: مطهرة- فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، -أي: رماه بحجر في فمه فليتقمه، ويرجع حيث كان- فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قالا: آكل الربا).
رواه البخاري في البيوع مختصراً هكذا، وهو حديث طويل رواه البخاري في مواضع مختلفة.
فآكل الربا: كأنه يأكل لحوم الناس ودماءهم، ولذا كان جزاؤه أن يلقم الحجارة، ويسبح في نهر الدم والعياذ بالله.
وخصوصاً الربا الذي صار اليوم منتشراً بكثرة، حتى إذا أراد الشخص أن يتوب لم يدر لمن يرد الحقوق، فهو يتعامل مع ملايين من البشر، فيظلمون، وتغلوا أسعارهم، وتزداد الأمور فساداً بسبب النظام الربوي الذي يتربع على عرشه اليهود في العالم والعياذ بالله.
وقد وصفهم الله بقوله: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:١٦١].
ومعلوم أن أكبر البنوك العالمية يملكها اليهود، وهي التي تقرض الدول بفوائد تظل تسددها من قوت شعوبها أضعافاً مضاعفة، فالديون التي تدان بها دولة مصر مثلاً قد سددت عدة مرات، وما زالت الديون كما هي بحالها، ونسأل الله العافية؛ ولو كانت هذه المعاملة مباحة لكان مباحاً ما يجري في شعوب الأرض الفقيرة التي تسام بألوان العذاب بسبب النظام الربوي العالمي الذي يزداد به الغني غنىً والفقير فقراً، ونعوذ بالله.
فلذلك كان الربا نظاماً محرماً بين الدول وبين الأفراد، فهو نظام في منتهى الخبث، وأكل للحوم الناس ومص لدمائهم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله) رواه مسلم.
وفي رواية: (وشاهديه وكاتبه) رواها ابن حبان وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم.
الذي يأكل الربا: هو الذي يأخذ الفائدة، والذي يؤكل الربا: الذي يدفع الفائدة، وكاتبه: الذي يكتب لهم عقد الربا، وكذا الذي يحسبه ويرتبه لهم.
وشاهديه: من يشهد عليه ويحضره والعياذ بالله، فكل هؤلاء ملعونون، وهذا يدل على الطرد من رحمة الله، وأن هذا من الكبائر، قال: (هم سواء) أي: في الإثم والعياذ بالله.
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ونهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن المصورين).
الواشمة: التي تصنع الوشم.
والمستوشمة: التي تطلب من يفعل بها ذلك، وآكل الربا ملعون، وموكله الذي يدفع الفائدة.
ونهى عن ثمن الكلب، وهو محرم عند الجمهور إلا كلب صيد كما ثبت في رواية النسائي، وكسب البغي هو: مهر الزانية.
ولعن المصورين: أي: الذين يرسمون أو ينحتون صور ذوات الأرواح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة، ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه) فيه ضعف، ولكن ذكرناه كشاهد لما قبله.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) قال الحاكم: هذا إسناد صحيح، قال الإمام المنذري: والمتن منكر بهذا الإسناد ولا أعلمه إلا وهماً، لكن ثبت بأسانيد أخرى.
وعن ابن مسعود أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا بضع وسبعون باباً، والشرك مثل ذلك).
ورواته رواة الصحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الربا سبعون باباً أدناها كالذي يقع على أمه) رواه البيهقي بإسناد لا بأس به.
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام) رواه الطبراني في الكبير من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله ولم يسمع منه، ورواه ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً على عبد الله وهو الصحيح.
ولفظ الموقوف: قال عبد الله: (الربا اثنان وسبعون حوباً -حوباً أي: ظلمة- أصغرها حوباً كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية) وهذا الحديث روي من وجوه متعددة.
وروى أحمد بإسناد جيد عن كعب الأحبار قال: لأن أزني ثلاثاً وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا، نعوذ بالله من الربا.
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح، والحديث بطرقه حسنه الشيخ الألباني.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) رواه الطبراني في الأوسط من رواية عمر بن راشد وقد وثق.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه) رواه ابن ماجة والبيهقي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى الثمرة حتى تطعم) أي: حتى يبدو صلاحها.
وقال: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وسكت عنه المنذري.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله) رواه أبو يعلى بإسناد جيد.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة -القحط-، وما من قوم يظهر فيهم الرشا -الرشوة- إلا أخذوا بالرعب) رواه أحمد بإسناد فيه نظر.
نسأل الله العافية.
والأحاديث كثيرة جداً في التحذير من الربا.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا، والزنا، والخمر) رواه الطبراني وراوته رواة الصحيح، وهذا فيه إيذان بخراب الدنيا، فانتشار الربا والزنا والخمر علامة على قرب خراب الدنيا، وعلى قرب القيامة.
نسأل الله العافية.
وعن القاسم بن عبد الواحد الوراق قال: رأيت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما في السوق في الصيارفة -جمع: صراف- فقال: يا معشر الصيارفة، أبشروا قالوا: بشرك الله بالجنة بما تبشرنا يا أبا محمد؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبشروا بالنار)، وذلك لكثرة تعامل الصيارفة بالربا والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه الطبراني بإسناد لا بأس به.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة)، كلما يكثر من الربا يئول أمره إلى القلة والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه ابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
وفي لفظ له قال: (الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قُل) أي: إلى قِلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره) رواه أبو داود وابن ماجة من رواية الحسن عن أبي هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع منه.