[بيان خطأ من يفسر (لاإله إلا الله) ببعض لوازمها]
الإله هو المعبود بحق، فمعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحق إلا الله، ولا يلجأ العباد ويضرعون ويفزعون في كل ما ينوبهم إلا إلى الله.
أي: التضرع بحق والفزع بحق، وإلا فالكثير يفزعون إلى غير الله، ولكن هذا فزع بباطل، وتضرع بباطل.
وكذلك لا عظيم تحار العقول في عظمته، ولا تدرك حقيقته سبحانه وتعالى، إذ كل من دونه حقير ذليل فقير إليه.
ومن هنا تعلم خطأ من ظن أن معنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله فقط.
فإن هذا هو جزء من لوازم المعنى فقط؛ لأن الذي يتضرعون إليه، والذي يملك أن يجيبهم، والذي يعبدونه، لا بد أن يكون هو الذي خلقهم.
فهذا متضمن بالمعنى.
فلو اقتصروا عليه لأصبح هذا غير صحيح؛ ولذلك فإن المشركين الذين أبوا أن يقولوا: لا إله إلا الله، كانوا يقرون أن لا خالق إلا الله، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧].
وكذلك من معاني الإله.
أنه الذي تشتاق إليه القلوب، وتميل إليه.
وهذا أحد معاني الوله، كما في لسان العرب.
وفي الأثر عن وهيب بن الورد قال: إذا وقع العبد في ألهانية الرب -يعني: شوقه إلى الله- ومهيمنية الصديقين، -يعني مراقبة الصديق فيراقب ربه عز وجل، فإن الصديق هذا أشد الناس مراقبة لله-، ورهبانية الأبرار -الرهبانية: الانقطاع، والبار: المخلص التام- لم يجد أحداً يأخذ بقلبه.
فلو أن الإنسان وصل إلى هذا فلن يبقى شيء يعجبه في الدنيا، ولا يحب شيئاً إلا الله.
ورهبانية الأبرار معناها: الانقطاع إلى الله عز وجل، ولهذا سُمي الجهاد رهبانية؛ لأنه انقطاع عن الدنيا، وعن الشهوات كلها، وفرقة للأهل والوطن والمال، واستعداد لمفارقة النفس والروح، فهو فعلاً رهبانية الأمة، وليس الانقطاع بمعنى: ترك الزواج ونحو ذلك؛ فهذه هي الرهبانية المبتدعة.
فالقلوب إذاً إنما تستقر وتسكن بتوجهها إلى الله وحده، فالقلب الإنساني فيه فقر وحاجة شديدة إلى إلهه الحق سبحانه، ولا يسدها سوى عبادته والتوجه إليه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
فالغرض من ذكر هذا الأثر بيان معنى الإله فإنه الذي تشتاق القلوب إليه.