أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن نظرة المؤمن إلى حقيقة الحياة وإلى صغر مدتها إنما تنبع من إيمانه بالبداية والنهاية التي بينها لنا ربنا سبحانه وتعالى، وإنَّ هداية هذا الخلق بيد الله عز وجل الذي قدر وجوده، وكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو سبحانه وتعالى جعل وجودنا على الدنيا مروراً عابراً، فنأتي على ظهر الأرض سنوات، ثم نبقى ما شاء الله عز وجل في باطنها، ثم بعد ذلك نبعث ليوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم بعد ذلك نهاية في نعيم أبداً أو في عذاب أبداً، قال تعالى:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧]، فنظرة المؤمن لحقيقة هذه الحياة التي نعيشها على ظهر الأرض وصغرها وحقارتها، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، يؤثر ذلك في سلوكه تأثيراً بالغاً في سلم أولوياته في الحياة، وما يقدم وما يؤخر، وما يعظم وما يحقر، وما ينفق فيه الوقت والعمر، وما يبخل به، وما يبخل بالوقت والعمر عن أن ينفقه فيه، وكذلك يؤثر على سلوكه فيما يسابق إليه وينافس عليه، وفيما يسعى إلى التقدم فيه، وكذلك يؤثر على سلوكه فيما يصيبه من مصائب ومحن، ويؤثر على سلوكه في معاملته لغيره، وأصل ذلك الإيمان والعلم بما أمرنا الله عز وجل أن نعلمه، قال تعالى:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}[الحديد:٢٠].