ولابد أن نقطع بأن مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا الله؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أن الأولياء يمكنهم أن يطلعوا على الغيب وينسبون لهم ذلك، ويظنون أنهم يعلمون ما في الغد والعياذ بالله، ومن الناس من يقول عن الكهنة ذلك وهذا أعظم وأقبح، فإذا كان الأنبياء لا يعلمون، والملائكة لا تعلم، والأولياء لا يعلمون، فكيف بالكهنة؟ ولذلك لا تسأل المنجمين أبداً؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، وهذا أمر عظيم الأهمية في سلوك المسلم، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، ولماذا الناس يعيشون في هذا الضلال؟ يقال لهم: إن في سنة ثمانية وتسعين تجتمع ست كواكب مع بعضها البعض، وهذه الست الكواكب عندما تجتمع على خط واحد فإنه ستحصل أحداث رهيبة على وجه الأرض، وجاءت سنة ثمانية وتسعين ولم يحصل شيء، وهناك كتاب مكث خمسة عشر طبعة وهو كتاب: عمر أمة الإسلام، وهذا الكتاب يأتي بكلام المنجمين وأمثالهم، فلما أخذنا الكتاب والحمد لله، وجدنا أن ما فيه باطل، والتكهن فيه كثير جداً، ومن ذلك قولهم: سيحصل كذا وكذا، لأن المذنب الفلاني سيمر يوم كذا، سبحان الله! إذاً: فالمسلمون بهذه الإفتراضات الباطلة سيعرفون أموراً غيبية من القرآن العظيم {لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام:٥٩]، إذاً: أي شخص يقول لك: إنه سيحصل شيء في السنة الفلانية من غير أن يذكر شيئاً من الكتاب أو السنة فلا تصدقه، ولو ذكر تأويلاً للكتاب والسنة فاجزم له بأنه باطل، واجزم له أن هذا الشيء لم يتحدد في سنة معينة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك، بل الأشياء التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في المستقبل وفي المكان علقها على مشيئة الله، فمن علامات وضع الحديث: أن يحدد مثلاً عمراً معيناً للأمة، فعندما تجد أن هناك تحديداً بالطريقة هذه: سنة كذا سيحصل كذا، فاعرف أن هذا حديث موضوع، ولو قيل لك: إن الدنيا ستفنى بعد كذا سنة، أو أنه قد مضى من الزمن ألفان أو خمسة آلاف وبقي ألفان فاعرف أن هذا الكلام كذب، ولا يمكن أن يكون في الحديث مثل ذلك؛ لأن في ذلك مخالفة للقرآن صراحة، فلقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن وقت قيام الساعة:(ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن أخبرك عن أماراتها في خمس لا يعلمهن إلا الله)، إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الغيب عند الله، فنحن نوقن أنه لا يعلم مفاتح الغيب إلا الله، فلماذا نذهب إلى الكهنة والعرافين الذين يسألون الشياطين والعفاريت والملبوسين ويتكهنون أنه: سيحصل كذا، وإذا لم تعمل له كذا فسيحصل كذا؟! وهذا بلا شك ادعاء باطل، فإن هذا الكلام يقوله الكفرة ولا يقوله المسلمون؛ لأن المسلم يعلم من كتاب الله عز وجل أن الله عز وجل وحده الذي استأثر بمفاتح الغيب الخمس، قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام:٥٩].