[الحذر من التشبه بالكفرة والمنافقين والفاسقين]
وكذا من متابعتهم: التشبه بهم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
فهو يشمل ما ذكرنا في الطاعة، ففيه التشبه المطلق: وذلك بأن يتشبه الإنسان بهم في كل شيء حتى في كفرهم، فلو أنكروا الأديان أنكر الأديان، ولو أنكروا التوحيد أنكر التوحيد، ولو أنكروا التشريع أنكر التشريع، فيتابعهم ويرى أن ما قالوه لابد أن يؤخذ به جملة، كما يقول دعاة كثيرون في المشارق والمغارب: إن الحضارة الغربية لا يصلح أن نأخذ منها جزء التكنولوجيا والعلم الحديث دون أن نأخذ الأفكار والمبادئ والفنون والآداب، بل لابد أن نأخذها برمتها، ولا نقول: إن هذا يوافق الدين وهذا يخالفه، بل اتركوا الدين جانباً!! وهذه الكلمة لوحدها تنقل عن الملة والعياذ بالله، أعني كلمة: اتركوا الدين جانباً، فكيف يجعل المسلم دينه جانباً ولا يلتزم به في أمر من الأمور؟! فيرون أنه يستحيل أن نأخذ الطب الحديث والهندسة الحديثة والعلوم الحديثة ونحو ذلك دون أن نأخذ الفسق والفجور وإباحة المحرمات التي حرمها الله عز وجل.
فالتشبه المطلق هو مثل الطاعة المطلقة في تضمنها لأجزاء من الكفر؛ وقد وجدنا أناساً من هؤلاء -والعياذ بالله- يصرحون كثيراً في كتاباتهم وأحاديثهم بالطعن في القرآن، والطعن في الرسول عليه الصلاة والسلام، وترديد شبهات الكفرة حول القرآن من أنه ألفه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن فيه أخطاء في كذا وكذا!! وتجد هؤلاء معظمين جداً عند القوم، وخاصة في بلاد الغرب، فإنهم يعظمونهم جداً ويقولون: هؤلاء دعاة حرية، وهؤلاء دعاة المدنية، وهؤلاء دعاة التطور، ونحو ذلك، بل ويُعطون الجوائز الغالية والثمينة على سبهم للقرآن وعلى طعنهم في الرسول عليه الصلاة والسلام فضلاً عن الطعن في الصحابة رضي الله عنهم والطعن في معاني الإسلام كلها، بل طعنهم في الأنبياء جميعاً، ومع ذلك ما زالوا يعظمونهم أعظم وأكبر تعظيم والعياذ بالله! فهم يسخرون من الأنبياء جميعاً، بل من ذات الرب سبحانه وتعالى، ويعلمون أنهم ما أخذوا الجوائز الثمينة عندهم الحقيرة الدنيئة عند أهل الإسلام إلا لأجل أنهم طعنوا في الله عز وجل وطعنوا في رسله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويقومون بالمدح والتفخيم والتبجيل لشخصيات لا يمكن الاقتراب منها، نسأل الله العافية.
فهذا كله من التشبه المطلق، وهو مثل الطاعة المطلقة.
وأما التشبه الجزئي فهو أيضاً كالطاعة التفصيلية، فالتشبه في بعض ما هم عليه ينظر فيه، فإن كان كفراً أو شعاراً عن الكفر كان التشبه بهم في ذلك كذلك، وإن كان في معصية كان معصية بشرط اعتقاد أنه معصية.
وأما إذا تشبه بهم معتقداً صحة ما فعلوه دون ما شرع الله عز وجل فهذا -والعياذ بالله- يكون من المتابعة الشركية.
وأما إذا فعل شيئاً يفعلونه واتفق أن فعله الطرفان دون أن يكون أحدهما أخذه عن الآخر فليس هذا من التشبه المحرم وإن سمي تشبهاً في بعض الأحوال، لكنه ليس بالتشبه المحرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غيروا الشيب لا تشبهوا باليهود)، فهذا الأمر يقع فينا بغير اختيار منا، فالإنسان لا يختار أن يشيب وإنما يشيب هو ويشيب غيره، فأنا لم أقع في التشبه قاصداً، وإنما وقع في هو، فإذا تركت التغيير سمي هذا تشبهاً، لكن لا يكون تشبهاً محرماً، فلذلك كان هذا النهي ليس للتحريم، فقوله: (لا تشبهوا باليهود) أي: في ترك تغيير الشيب، فيستحب أن يغير الشيب، ولكن لا يحرم أن يتركه، ولذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض شعرات في وجهه عليه الصلاة والسلام، ولكنه أمر بتغييره استحباباً.
وأما الذي كان مأخوذاً عنهم أو فعله لأجل أنهم فعلوه مثل الموضة، فبعض الناس يفعلون الموضة لأجل أن غيرهم فعلها، فالموضة أن الناس يلبسوا هكذا، فيفعلون مثل ما فعل هؤلاء تماماً لأجل أنهم فعلوه، تقول لبعضهم: أنت تربي شعرك تربية غير صحيحة، فيقول لك: هذه موضة، فهذا أشد من التشبه.
وهناك درجة ثانية للتشبه: وهي أن الإنسان يفعل الشيء لا لأجل أنهم فعلوه ولكن لمصلحة في نفسه، فمثلاً: عندهم يوم من الأيام يفرحون فيه كأن يكون عيداً من أعيادهم فيريد أن يلعب في هذا اليوم، لكنه ليس في ذهنه الاعتقاد الفاسد الذي بني عليه ذلك العيد، فهذه درجة من درجات التشبه، وإن كان هذا التشبه أهون من الأول، لكنه داخل في التشبه المحرم، وإن كان يقول: أنا لا أريد ذلك، أنا ليس لي غرض في التشبه بهم، لكن طالما أن هذا الفعل مأخوذ عنهم فهو من التشبه بهم.
وأما إذا كان وقع اتفاقاً كالملابس المشتركة بين المسلمين والكفار فهذا ليس بطاعة ولا بتشبه في الحقيقة، وإن سمي تشبهاً، فتركه هو الأفضل من أجل المخالفة.
وقد تكون المخالفة في فعل شيء مع هذا الشيء، كأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام تاسوعاء مع عاشوراء مخالفة لليهود، وهذا مستحب، ولو صام العاشر فقط لما كان ذلك محرماً عليه، بل يجوز أن يصوم العاشر من محرم فقط ولا يحرم عليه ذلك.
وهكذا الخلاف بين العلماء في صيام يوم السبت فمنهم من يقول: هو حرام، ومنهم من يقول: هو مكروه إذا صامه منفرداً، وإنما تقع المخالفة إذا صام معه الجمعة أو صام معه الأحد، فإذا قرن معه غيره لم يكن ذلك مكروهاً؛ لأنه خالفهم حينئذٍ بعدم موافقتهم.