[تغير حال الأمة يكون بتغير الشعوب لا بتغير آحادهم]
أمة الإسلام لديها طاقات وثروات هائلة، ولديها ملايين البشر القادرين ببضعة آلاف منهم على تغيير وجه العالم بالكلية، ولو وجدت هذه النوعية من الآلاف المؤمنين المتقين في بلد واحد فقط لتغيير وجه العالم بأسره، لكن بشرط أن يكونوا ملتزمين التزاماً حقيقياً، وعندهم تقوى حقيقية، فبمثل هؤلاء تنصر الأمة.
أما إذا فقدنا التقوى، الشعور بأننا في طريق ذا شوك فلا ننظر إلى مواقع الأقدام، وكذا إذا فقدنا الشعور بأننا في أزمة تقتضي الجدية في كل أمر من الأمور، في طلب العلم، وإصلاح النفس، والعمل، والعبادة، والذكر، والدعوة إلى الله عز وجل بما شرع الله سبحانه وتعالى وبما نقدر عليه، فلن نغير من واقعنا، ولن نقدر على إصلاح شيء ذا بال منه، مع أن الذي نقدر عليه كثير، وما نراه اليوم من ضعف وقلة حيلة ليس لقوة الأعداء حنكتهم وإنما هو مقدر من عند الله عز وجل، وأيضاً هو بسبب التقصير الذي عند جملة الأمة، ولو وجد أفاضل البشر على الإطلاق في وسط جمع مقصر لضاع الفضل بين زخم التقصير كما سيأتي في هذه السورة، وكما قال الله عز وجل:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[آل عمران:١٥٢].
فالعشرة المبشرون بالجنة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جيش المسلمين في غزوة أحد، ومع ذلك وقعت الهزيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهل ندرك ما ينبغي علينا أن نعمله؟ فعلينا تقوى الله، ومعالجة أمراضنا، كمرض الوهن والحزن والاستكانة وغيرها.
قال تعالى:{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٨]، أي: كلما اتقيت الله عز وجل فيما بينك وبينه، فراقبته وعاملته، وأخلصت له، وصدقته، واجتهدت في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كلما كان النصر حليفك، وليس يصلح أن يكون هذا في آحاد الناس، بل لابد أن يكون سمة عامة للأمة والطائفة الملتزمة بالطاعة، التي تقول إنها على الحق، لا يضرها من خالفها وخذلها حتى تقوم الساعة، أو تريد أن تكون كذلك، أما إذا كانت السمة العامة لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالملتزمين أو بالمتقين للجهل مثلاً أمراض القلوب، أو ضعف الحب والود، أو أنواع من الصراعات على الدنيا والتنافس عليها، فحينئذ لا يكون لهؤلاء النصر والغلبة، وعلى ذلك وجب على الأمة تغيير نفسها؛ ليغير الله حالها، فإن الأمور سنن من عند الله، وليست مجرد أمور أرضية، ولقد قال عمر رضي الله عنه عندما أتوه بالبرذون ليركبه -وكان البرذون يتبختر به ويريدونه أن يركب عليه؛ ليليق بمقام أمير المؤمنين- فنزل منه عمر وقال: أركبتموني على شيطان، ما نزلت منه إلا أنكرت نفسي، قال: أتظنون الأمر من ههنا، أي: من الأرض؟ إنما الأمر من ههنا، أي: من السماء، وأشار إلى فوق، فلذلك لابد أن نعمل بما علمنا وبما نقدر عليه، فمن عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم، ومن عمل بما قدر عليه رزقه الله القدرة على ما لا يقدر عليه، ووالله! إن القوة كامنة كمون النار في الزناد في هذه الأمة، وشرر يسير منها يرعب الأعداء، وهم يدركون ذلك جيداً، ويعرفون السنن، ولكن هل سنستخرج هذه القوه ببديل التقوى؟ وهل نحولها من هذا الخمول إلى الواقع بالعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى؟ أم نظل مستكينين في أنفسنا؟