سَعادةَ وابن محمد بن عبد العزيز بن واجِب وابن عليّ بن البَرّاق وأحمدَ بن مَسْعود، وأبو عليّ الحُسَين بن يوسُف بن زُلَال وأبو عُمَر أحمدُ بن هارونَ ابن عاتٍ، وأبو عامر نَذيرُ بن وَهْب بن كثير، وأبو العطاءِ بن نَذير، وأبو محمد غَلْبُون ابن محمد بن غَلْبُون (١)، وزكريّا بن عبد الله بن عبد الملِك ومحمد بن عبد الرّحمن المُهْرِيُّ الشاطِبي.
وكان خاتمةَ العلماءِ بشَرْقِ الأندَلُس في عصرِه، متفنِّناً في معارفَ جَمّة، راسخًا في العلم مُقرئًا مجوِّدًا، مفسِّرًا محدِّثًا، راوِيةً حافظًا، فقيهًا مُشاوَرًا، بارعًا في علوم اللِّسان، دَمِثًا ناسكًا، حَسَنَ الحال ليِّنَ الجانب محمودَ السِّيَر، مُوسِراً، عاكفًا على تدريس العلم وإفادتِه مُعينًا طلبتَه بالتمكين من أَصُولِه وتقريبِ التعليم وجَوْدةِ التفهيم، فرَغِبَ النَّاسُ في الأَخْذِ عنه وكثُرَ الراحلونَ إليه والوافدونَ عليه، وخَطَبَ بجامع بَلَنْسِيَّة وأمَّ في الفريضة زمانًا طويلًا.
وقد وَصَفَه الكاتبُ الأبرع أبو بكرٍ يحيى بنُ محمد الأَرْكَشيُّ في مقامتِه التي سَمّاها:"قِسْطاسَ البيان في مراتِب الأعيان" بما نصُّه ونقَلتُه من خطِّه: فقيهٌ عارف، وحاملُ أدواتٍ ومعارف، وما هُو إلّا زُبدةُ زمانٍ تمخَّضَ العصرُ عنها، ورَوْضةُ علومٍ تضَوَّع القَطْرُ منها، تُلتمَسُ أشتاتُها من عندِه وتُقتبَس، ويُفزَعُ إليه في كلِّ ما أشكَلَ منها والتبَس، ذهَبَ في اقتنائها أهدى مذهَب، وامتَطَى إلى حامليها صَهْوةَ الهجيرِ الملَهَّب، حتّى انتهجَتْ له شِعابُها، وانقادتْ إلى فهمِه صِعَابُها، وما زال متتبِّعًا مساقطَ أثَرِها، حتى رَوِيَ من سَلسبيلِها وكَوْثرِها، فشيَّدَ ما عُنيَ به تشييدًا، وجَوَّدَه إتقانًا وتقييدًا، فطالِبو العلم والأَدب، يَنْسِلونَ إليه من كلِّ حَدَب، فيقتبِسُونَ عيونَه من عندِه، ويقتَدحُونَ فيه واريَ زَنْدِه، واللهُ تعالى يُبقيه مُعتنيًا بالعلم وأهلِه، متلقِّيًا لهم بِرُحْبِهِ وسَهْلِه، ولا زال موصُوفًا بالنَّبالةِ والذّكاء، كما لم يزَلْ مجبولًا على الجلالةِ والزكاء، ولا بَرِحَ الدهرُ بإقبالِه خاطبًا، والسعدُ في حِبالِه حاطبًا.