للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله مصنَّفاتٌ جامعة، منها: "رِيُّ الظَّمآن في تفسير القرآن"، حَكَى عنه أبو الحَسَن بنُ لُبّ أنه كان في حينِ اشتغالِه بجَمْعِه يَبِيتُ في بيتِ كُتُبِه ويُطفئُ المصباح، فكلّما تذكَّر شيئًا قام وأوقَدَه ونظَر ثم يعودُ ويُطفئُه، فكان هذا دَأْبَهُ، كأنَّه يلتمسُ بذلك خُلوَّ المخاطر في الظُّلمة.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: قد وقَفْتُ على بعض هذا الكتاب، وكان كاملًا عندَ بعض الطلَبة بِدَرْعَةَ في سبعةٍ وخمسينَ مجلَّدًا متوسّطةً، بعضُها، وفيه أوّلُها، أكثرُها بخطّ تلميذِه الأخصّ به أبي جعفر بن عَوْن الله، وأكثرُها، ومنه آخِرُها، بخطِّ أبي عبد الله محمد بن أبي الحَسَن محمد بن عبد العزيز بن واجِب، وتاريخُ فَراغِه من نَسْخِهِ مُنْسَلَخُ جُمادى الآخِرة، سنةَ سبع وستينَ وخمس مئة.

ومنها: "الإمعان في شَرْح مصنَّفِ أبي عبد الرّحمن" بَلَغَ فيه الغايةَ من الاحتفال وحَشْدِ الأقوال، وما أرى أنّ أحَدًا تقَدَّمَه في شَرْح كتابٍ حَديثيٍّ إلى مثلِه توسُّعًا في فنون العلم وإكثارًا من فوائدِه، وقد وقَفْتُ على أسفارٍ منه مُدْمَجةٍ بخطِّه (١) أكثرُها ضَخْم، وكان تجزِئةً ثلاثةَ عَشَرَ، وله غيرُ ذلك مما أفاد به.

وكان ممّن سادَ بنفسِه في العلم ولم يكنْ له سَلَفٌ فيه، ولكنّه وُفِّق لطلبه وشغِف به ورُزِق الرَّغبةَ فيه والحرصَ عليه. وحَكَى أبو الحَسَن بنُ لُبّ: أنَّ أباه كان صَيْقلًا، وأنه أرسَلَه يومًا في حاجة فأبطَأَ عليه، فتوجَّه في طلبِه فوجَدَه في حَلَقةِ أبي محمد ابن السِّيْد يتَسمَّعُ ما يُقرأُ فيها، فصَرَفَه عنها مُهانًا إلى تلك الحاجة وارتَقبَ إتْيانَه إيّاهُ بها، فابطَأَ أكثرَ من إبطائه في المرةِ الأولى، فخَرجَ يتَطلَّبُه فأَلْفاهُ هنالك أيضاً، فأخَذ في تَعْنيتهِ ولَوْمِه وأفرَطَ في ذلك، وبينَما هو يُوبِّخُه وُيفنِّدُ راسله وَيعِدُه (٢) على إبطائه أقبَلَ أخوه عمُّ أبي الحَسَن، وكان تاجرًا


(١) هامش ح: "وقد وقفت أنا أيضاً على بعضه بخطه وهو كما ذكر، لا نظير له في كثرة الإفادة".
(٢) كذا ولعلها: ويوعده، أو: ويعذله.

<<  <  ج: ص:  >  >>