للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّ ما سواه من الأجزاءِ الواقعة موقعَه من سائر أبياتِ القطعة مزحوفةٌ، وهي أعذبُ في الذّوق، فإن قلتَ: لعلّه يكونُ ذلك على اصطلاح بعض العَروضيِّين في إطلاقِهم الزِّحافَ على كلِّ تغيير، قلنا: لا تغييرَ في هذا؛ لمجيئه على أصله، اللهمّ إلا أن يكونَ في الذّوق، وهم لم يعتبروه ولا وضَعوا له لقبًا حتى يكونَ له أثرٌ، وما لا أثرَ فيه للزِّحافِ فإنّما يقال فيه: سالمٌ، عندَ الجميع، فتأمَّلْه، واللهُ الموفِّق لا ربّ غيره" (١).

وقال عَقِب هذه الأبيات:

رأيتُ الإنقباضَ أجلَّ شيءٍ ... وأدعى في الأمورِ إلى السلامَهْ

فهذا الخَلقُ سالِمْهم ودَعْهم ... فخُلطتُهم تعودُ إلى النّدامَهْ

ولا تُعنى بشيءٍ غيرِ شيءٍ ... يقودُ إلى خلاصك في القيامَهْ

"وفي صَدْر البيت الأول: رأيتُ الإنقباضَ" فيَضبِطُه بعضُهم بقَطْع همزة الوَصْل ترجيحًا للزِّحاف الحَسَن، وهو: إسكانُ الخامس من مفاعلتن المسَمَّى بالقَصْر على الزِّحاف القبيح وهو: ذهابه رأسًا ويسمى العَقْل.

وفي صدر الثالث: "ولا تُعنى" يُثبتُ بعضُهم فيه الألفَ، وهو من قَبِيل ما تقدَّم في قَطْع همزة الوَصْل من الانقباض، ولو وَصَل بإسقاط الهمزة وحَذف الألف للخَرْم لم يَنكسِر البيتان ولكنهما يكونانِ مشتملَيْنِ على زحافٍ قبيح كما تقَدَّم، وكثيرًا ما تفِرُّ العربُ من الزِّحَاف القبيح إلى الزِّحاف الحَسَن، ومن الزِّحاف الحَسَن إلى السلامة حرصًا عليها أو على ما يَقرُبُ منها إلا في مواضعَ كان المُزاحَف فيها أعذبَ من السالم؛ وقد أشبعتُ القول في هذا وبيّنت عملَ العرب فيه في موضعِه من كتابي: "الجامع في العَروض"" (٢).


(١) الذيل والتكملة ٤/الترجمة ٣٠٣.
(٢) المصدر نفسه ٦/الترجمة ٦٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>