ومَوْلدي بقريةٍ من قُرى إشبيلِيَةَ عَمل حِصْن القَصْر بالشَّرَف تُسمَّى الحُجَيْرةَ، خرَجَ أَبَواي لها في غَلّةِ الزّيتون لضَمِّ فائدِ أملاكِهم، وكانا متحابَّيْنِ لا يَصبِرُ أحَدُهما عن الآخَر، فخَرَجا جميعًا إليها، فكانت ولادتي بها لعَشْرِ ليالٍ بقِيَتْ من شهرِ أكتوبَر الأعجَميِّ، ولا أدري ما وافَقَ من الأشهرِ العربيّة؛ لتَلَفِ تقييداتي وتقييداتِ سَلَفي في ضَيْعة كُتُبي، إلّا أنّ والدتي كانت تقول: كُنْتُ ليلةَ موسم يَنّيرَ من أربعينَ ليلةً، وإلّا ما تحقَّقتُه بأخَرةٍ من وجوه: أنّ ذلك كان في صَدْرِ سنة سبع وتسعينَ، قبلَ السَّيلِ الكبيرِ بإشبيلِيَةَ بأشهُر".
انتهَى نَقْلُ ما قصَدتُ إليه من جوابِه، وكان بخطِّه كما ذكَرْتُه، وقد اشتَملَ على كثيرٍ يدفَعُه أهلُ المعرفة من أهل بلدِه إشبيلِتةَ بمَنْشئِه وحالِه وانتحالِه وخُمولِه بها وإقلالِه. وذَكَرَ أحدُ بَنيهِ أنه وُلد في صَدْرِ محرَّمِ سبع وتسعينَ، وتوفِّي بتونُسَ لثمانٍ، وقيل: لسبع بَقِينَ من جُمادى الآخِرة سنة تسع وخمسينَ وست مئة.
قال المصنِّف عَفَا اللهُ عنه: كان هذا السَّيلُ الَّذي ذَكَرَه الخَطيبُ أبو بكرٍ من أكبرِ السُّيول وأعظمِها عِبرةً وأشدِّها آثارًا، وقد ذَكَرَهُ التأريخيُّ أبو العبّاس بنُ عليِّ بن هارونَ فنقَلتُ من خطِّه فُصولًا في ذِكْرِه، منها: "كان السَّيلُ بإشبيلِيَةَ يومَ الاثنين بعدَ صَلاة الظّهر، وفيه وقَعَ السُّور، وكان المتهدِّمُ مسافتينِ منه ما بينَ باب أَطْرَيانَةَ وباب المؤذِّن وبناحيةِ الدَّقّاقِينَ حيثُ البركةُ هنالك، وأطار الماءُ الشُّقّةَ من السُّور نحوَ الأربعين باعًا، وكان هذا اليومُ يومًا هائلًا، ولو كان هذا الحادثُ باللّيل لهَلَكَ فيه آلافٌ من الناس، وذلك في التاسعَ عشَرَ لجُمادى الآخِرة عامَ سبعةٍ وتسعينَ وخمس مئة، ووافَقَه من العجَميِّ السادسُ والعشرونَ من مارْس؛ وكان انتهاؤه يومَ الأربعاء، وعايَنْتُ في هذا السَّيل القواربَ تُعَدّي بباب سَابَاطَ النساءَ بباب العَطّارِين، وكان دخولُها وخروجُها على باب المؤذِّن، ولم يَكنْ أحدٌ من المُعَدِّينَ يُعَدّي إلّا في القوارب القُرطُبيّة؛ لعِظَم الماءِ وجَفائه". ومنها: "وعايَنْتُ قواربَ المُعَدِّينَ تُعَدّي بأَوّلِ دربِ الدَّبّاغِين بقُرب جامع العَدَبَّس وبأوّل القَصْر الذي بقُرب سُوق باب الحديد". ومنها: "وصارت إشبيلِيَةَ ما بينَ