للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث يُقصىَ السَّفهاءُ من الغَواة، وأبغَضناهم في الله، كما أنَّا نحبَّ المؤمنينَ في الله، وقلنا: اللهمَّ إنّ دِينَك هو الحقُّ اليقين، وعِبادك هم الموصُوفونَ بالمتّقين، وهؤلاءِ قد صَدَفوا عن آياتِك، وعَمِيَتْ أبصارُهم وبَصائرُهم عن بيّناتِك، فباعِدْ أسفارَهم، وألْحِقْ بهم أشياعَهم حيث كانوا وأنصارَهم، ولم يكنْ بينَهم إلّا قليلٌ وبين الإلحام بالسيفِ في مجال ألسنتِهم، والإيقاظِ بحدِّه مِن غَفْلتِهم وسِنَتِهم (١)، ولكنّهم وقَفوا بموقفِ الخِزْي والهُون، ثم طُرِدوا من رحمة الله {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨]. فاحذَروا -وفَّقَكمُ الله- هذه الشِّرذمةَ على الإيمان، حِذرَكم من السُّموم الساريةِ في الأبدان، ومَن عُثِر له على كتابٍ من كُتبِهم فجزاؤه النارُ التي بها يُعذَّبُ أربابُه، وإليها يكونُ مآلُ مؤلِّفِه وقارئه ومآبه، ومتى عُثر منهم على مُجرٍ في غُلَوائه، عَمٍ عن سبيل استقامتِه واهتدائه، فلْيُعاجل فيه بالتثقيفِ والتعريف: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: ١١٣] {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [آل عمران: ٢٢] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٦]. واللهُ تعالى يُطهّرُ مِن دنَس المُلحِدينَ أصقاعَكم، ويكتُبُ في صحائفِ الأبرارِ تظافُرَكم على الحقِّ واجتماعَكم، إنه مُنعِمٌ كريم".

وحدَّثني الشّيخ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه اللهُ قراءةً ومُناوَلةً من يده، ونقَلتُه من خطّه، قال: وكان قد اتّصَلَ -يعني شيخَهُ أبا محمد عبدَ الكبير (٢) - بابن رُشد المُتفَلسِف أيامَ قضائه بقُرطُبة، وحَظِي عنده فاستكتبَه واستَقَضاه. وحدَّثني، رحمه اللهُ، وقد جَرى ذكْرُ هذا المُتفَلسِف وما لهُ من الطّوامِّ في محُادّةِ الشريعة، فقال: إنّ هذا الذي يُنسَبُ إليه، ما كان يظهَرُ عليه، ولقد كُنْتُ أراه


(١) في م ب: "ومنتهم".
(٢) هو عبد الكبير بن محمد بن عيسى الغافقي، انظر برنامج شيوخ الرعيني: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>