للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعُمرَ بن الخطّاب وعثمانَ بن عفّان ومن جرى مجراهم من الصّحابة الساكنينَ بالمدينة، رضي اللهُ عنهم وأدام تشريفَها: إنهم مَدَنيُّون، معَ العلم بأنهم من مكَّةَ كرَّمها الله ومن غيرها. وكذلك يقولونَ فيمن استَوطَنَ بلدًا غيرَ بلده الذي وُلد به، فعلى هذا كان عملُ المتقدِّمينَ من أئمّة المحدِّثينَ وتبعَهم في ذلك المتأخّرون ما عدا أبا الوليد ابنَ الفَرَضي وتابعيه وهلُمّ جَرًّا.

وقد اضْطَرب عملُ أبي عبد الله ابن الأبّار في هذا اضطرابًا ينافي شهيرَ نُبْلِه ومعروفَ تيقُّظِه وتحفُّظِه من متعفقاتِ النقد وأسبابِه، فجرى في معظم كتابه على مُصطَلَح أبي الوليد ابن الفَرَضي ومَن تبِعَه، وخالَفَهم في بعضِه، فذَكَرَ في الأندَلُسيِّينَ جماعةً من النّاقلة إليها عملَ المتقدِّمينَ المفروغ من تقريره، تشبُّعًا واستكثارًا وإفراطًا في التعصُّبِ الذي كان الغالبَ عليه حتى غلا فيه، ويكفيكَ من مثلِ ذلك ما ختَمَ به رَسْمَ أبي عبد الله بن عيسى ابن المُناصف، رحمه الله بعدَ أنْ ذكَرَه في الأندَلُسيِّين، وذكَرَ من أحوالِه ما رأى أن يَذكُرَه به فقال: مولدُه بتونُس، وقيل: بالمَهْديّة، وهو أصحّ، ثمّ قال: وذكرُه في الغُرباء لا يَصلُحُ، ضنانةً بعلمِه على العُدوة (١). وحَسْبُك ما اشتملَ عليه هذا القولُ من الشِّهادةِ على قائلِه بما لا يَليقُ بأهل الإنصاف من العُلماء، واستحكامِ الحسَد المذموم، واحتقارِ طائفةٍ كبيرة من الجِلّة العدويِّين، وفضلُ الله سبحانَه رحمةٌ يختصُ بها من يشاءُ، وموهبة يُنيلُها من يختارُ، والله ذو الفضل العظيم.

وسأُعيدُ قولَه هذا في رسم أبي عبد الله بن عيسى المذكور، وما خَتَمَه به ابنُ الزُّبير إن شاء اللهُ تعالى (٢)، وكم من شاهدٍ على أبي عبد الله ابن الأبّار بفاضح


(١) التكملة (١٦٣٢).
(٢) ترجم المؤلف ابن المناصف في السفر الثامن من هذا الكتاب، وهو يشير إلى قوله هناك: "وقبّح الله الحسد المذموم، فقد حمل أبا عبد الله ابن الأبار على ذكره إياه في الأندلسيين تشبعًا لها ببعض ما ذكرناه به، وختم رسمه بما نصه: وذكره في الغرباء (لا يصح) ضنانة بعلمه على العُدوة، وكذلك ذكره ابن الزبير في الأندلسيين، ولم يذكر أين ولد لما لم يعلمه، وختم ذكره بما نصه: ومولده بالمهدية وإنما ذكرته في البلديين تبعًا للشيخ وغيره ولتأصله الأندلسي وعراقته".
ويلي هذا تعقيب للمؤلف على كلام ابن الزبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>