للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين انتهى إلى هذه الغاية قلتُ له: يا بُنيّ، اعلَم الآنَ أنّ هذا أمر لا يحلُّ السكوتُ عليه، ولا بدَّ من إنهائه، وأنا الآنّ قد خَطَرَ لي أن أحبِسَكما الليلةَ ها هنا حتى أبْرَأَ بكما إلى أهلِ الأمر، فقال: اصنَع ما بَدَا لك.

فقال أحدُ الحاضِرين: إذًا والله يا بُنيَّ يقتلونَك.

قال: يصنَعونَ أشدَّ [ما يقدِرونَ عليه].

قلت له: يا بُنيّ، والله لتُقتَلنَّ معجَّلًا أو مؤجَّلًا.

قال: واللهُ يقولُ الحقّ، فإنّ الله لا يُخلِفُ وعدَه.

قلت له: الشيطانُ وعَدَك ومَنّاك وغَرَّك.

قال: لا، بل [هو وعدُ الله] تعالى.

قلت: فإن قُتِلت؟

قال: إذا قُتِلتُ أُقتَلُ مظلومًا وأمضي إلى الجنّة.

قلتُ له: [ها قد بَدَأَ] تناقُضُك، ها أنت ذا قد جوَّزتَ القتلَ وقد كنت تُمنَعُه.

قال: هذا على [فَرَضِك وتقد] يرِك.

قلت لهُ: اسمَع الآن، أنا إذا ذهبتُ بكَ غدًا لا تُسِئْ معيَ [الأدب، فإنه] يلزَمُني لحقِّ الخِدمة أن أحمِلَك على تقبيلِ رؤوسِهم أو ما كان منهم حين السلام عليهم.

فقال: ما أفعَل.

فقال له بعضُ الحاضِرين: كيف لا تفعَلُ؟ ألا تقبِّلُ أيدي أهل الأمر؟

فرفَعَ إليه يدَيْه مُنكِرًا عليه. وقال: كيف أقبِّلُ أيدي قوم اليومَ وأنا أثورُ عليهم غدًا؟

وأخَذَه الحاضِرونَ بعدَ الانتهاءِ إلى هذا المقام بأنواع من الأخْذ، منه شيءٌ عليه، وشيء على أبيه، فذَكَّرَه أبوه بما أعطَوْه، فقال: نعم، أعطَوْني شيئًا آمَنُ به وأخرَجَ من جيبِه صُرَرًا فيها أشياءُ سخيفةٌ لا تُعرَف.

<<  <  ج: ص:  >  >>