ومنها تمالؤكم على قتل خليفتي ومن تمسَّك ببيعتي عَدوانا وظَلمًا، وقد كان أحضرَ في ذلك المجلس أولادَ خليفتِه المذكور، فقال للقاضي: احكُمْ [بما تراهُ] أيُّها القاضي في هذه الواقعة حُكمَ مَن لا تأخُذُه في الله لومةُ لائم، فعندَ ذلك قال القاضي: يا أميرَ المؤمنين، مَثَلُ هؤلاء القوم كمَثَل ما قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٣٧، ١٣٨] , وأشار إليهم مارًّا عليهم بسَبّابتِه، فأمَرَ المأمونُ حينئذٍ بقتلِهم أجمعين، فأُخرِجوا عند مَشْرَع القُبّة وقُتلوا بالرِّماح واحدًا بعدَ آخَر، وكان فيهم شابٌّ تَرامَى إلى أبي عليّ ابن وقاريط مُستجِيرًا به، فقال أبو عليّ: يا سيّدَنا، هذا قد استجارَني، وقد علمتُم قَدرَ الدَّخيل عندَ قبيلِنا، فقال له المأمون: قد أجَرنا من أجَرْتَ يا عُمر، ولو شَفعتَ في أكثرِهم لَقَبِلنا شفاعتَك، وكان فيهم شيخُ أحدِ بني عِمران، فقال لأبي الحَسَن جرمون ولأبي علي ابن وقاريط: عندي شهادةٌ أشهدَني بها سيّدُنا المنصُورُ معَ جماعةٍ غيري في حقِّ هذا الإنسان، يعني المأمونَ، أنه ليس بابنٍ له، وإنما هو ابنُ عِلْجٍ كان يَلِجُ عليه في قصرِه، فزَنَى بأُمِّ هذا فجاءت به لغبة، فهذا قد وجَبَ عليّ إعلامُكم به؛ لئلا تغتَرُّوا بهذا الإنسان وتحسَبوا أنه لرَشْدة، فقال له المأمون: هذه فِريةٌ اختصَصتَ بها ولا بدَّ من إقامةِ الحدِّ عليك بسبِبها، فأُمِرَ به فجُلدَ ثمانينَ جلدةً، ثم قال: ولنا تقريرُك بما نَراه، فأمَرَ بكسرِ أسنانِه فكُسِرت برأسِ سيف، ثم قُتل بالرِّماح.
ثم تجرَّدَ المأمونُ إلى محاربةِ مَن بقِيَ من أولئك القبائل الذين أنشَأوا تلك الفِتَن، فكانت بينَهم وقائعُ كثيرة كان الظفَر فيها كلِّها للمأمونِ على المعتصم يحيى ابن أخيه، وقَتلَ من رجالِ أولئك القبائل آلافًا لا تُحصىَ، حتّى لَيُذكَرُ أنه عَمَّ شُرُفاتِ مَرّاكُشَ بتعليق رؤوسِهم فيها، وربّما عُلِّق في بعض الشُّرُفاتِ رأسان، والمُطَّرحُ في كلِّ معترَكٍ أكثرُ من أن يَحصُره عدّ أو يأتيَ عليه حساب، وفي ذلك يقولُ [الكامل]: