للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلُ (١)، وكان كبيرَ أطبّاءِ الرّشيد والمُدِلَّ عليه والكثيرَ الخَلْوةِ به، فألقَى إليه أبو البَركاتِ ما نالَهُ من فَقْدِ الجِراية التي كانت تَجري له وجَهِلَ سببَه، فتلطّفَ أبو إسحاقَ ابنُ الحجرِ في إلقاءِ قضيّتِه إلى الرّشيد بعدَ رَصْدِه ساعةَ بَسْطٍ منه، وقال له: يا سيّدي، عبدُكم الغريبُ المُنقطِعُ إلى جانبِكم الفارسيُّ هُو ممّن شملَني وإيّاه نَسَبُ الاغتراب والأَوْيُ إلى كنَفِكم العزيز، وهو معَ ذلك جاري الجُنُب، ذَكَرَ لي ما عِيلَ له صَبْرُه وضاق من أجلِه ذَرْعُه، وذلكم توقُّف ما كان يَجري عليه من إنعامِكم منذُ ثلاثةِ أشهرٍ ولا يعرِفُ موجبَه، فتبسَّم الرّشيدُ وقال له: كيف يكونُ هذا ونحن نرى، وهو أنّا أحوَجُ إليه منه إلينا، فأكبَرَ ابنُ الحجرِ هذا الجوابَ، وقال: معاذَ الله يا سيّدي، وأنّى يُمكنُ هذا؟ فرَفَعَ الرّشيدُ طَرَفَ بِساطِه الذي كان جالسًا عليه، وأخرَجَ من تحتِه مقالةَ أبي البركاتِ في صَنْعةِ الكيمياء، وقال له: من وَصَلَ إلى هذا العلم أو هذا العمل فالملوكُ مُفتقِرونَ إليه، فلمّا وقَفَ ابنُ الحجرِ على بعضِ مضمَّنِها سُقِطَ في يدِه ولم يُحرِ جوابًا إلّا


(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن الحجر كبير أطباء الرشيد الموحّد ترجم له المؤلف في السفر السابع مع الغرباء وهو مفقود الآن، ولا نعرف عنه إلا الإشارات الواردة هنا وفي ترجمة ابن القطان المذكورة قبل، وفي ترجمة أبي الوليد بن عفير قصيدة يمدح بها أبا إسحاق وينعته فيها بالحبر البحر ويصف مآثره ومعارفه ويشبهه بجالينوس (انظر السفر السادس، الترجمة ٣١١)، ويبدو لنا، والله أعلم، أن هذا الطبيب من ولد ابن الحجر زعيم المسلمين في صقلية في عهد ملكها غليام، وقد تحدث ابن جبير في رحلته عن هذا الزعيم الحمودي الأصل وصموده ومحنته بسبب ما نسب إليه من مكاتبة الموحدين وتشوفه إلى هجرة صقلية. ويبدو أنه انتقل بعد ذلك هو أو بعض أولاده إلى بجاية حيث نجد فيها في القرن السابع الهجري الفقيه أبا زيد عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي الصقلي المعروف بابن الحجر، وقد انتقل أولاده إلى قسنطينة حيث غدوا فيها من بيوتات العدول والكتاب وأصبحوا من ركائز الفرع الحفصي في قسنطينة ومنهم أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل قاسم بن أبي زيد عبد الرحمن بن الحجر الآنف الذكر (انظر رحلة ابن جبير: ٣١ - ٣٣ تحقيق د. نصار، وعنوان الدراية: ١٣١، والفارسية: ١٧٨ - ١٧٩ تحقيق النيفر والتركي، وراجع ما سبق في الترجمة رقم ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>