[بالاعتذارِ عنه] بضعفِ العقل وسُوءِ التدبير، واختلالِ الذِّهن وفسادِ النظر، [وتلطَّفَ في] استعطافِ الرَّشيدِ له والرغبةِ لهُ في إعادةِ ما كان يُجري [عليه من إنعامِه] فأسعَفَه في ذلك وقَضَاهُ جميعَ ما فاتَه منهُ في الأشهُرِ [السابقة، وأنحَى عليه ابنُ] الحجر باللَّوم الشديدِ وتقبيح هذا المَأْخَذ معَ سُفهاءِ المسلمينَ [وخُبَثاءِ] المُحتالين، فكيف يقابلُ به الملوك؟ ونَدِم أبو البرَكاتِ على ما كان منه. [ثم عاد] ورَفعَ له أيضًا مقالةً أخرى سَمّاها (الأوتارَ والأشفاع) أودَعَها [ذكْرَ النبيِّ]- صلى الله عليه وسلم - والخُلفاءِ من الصّحابةِ ومُعظم مَن بعدَهم ممّن شُهِرَ بالخلافةِ إلى زمانِ الرّشيد، وقضَى بتمكينِ سعادةِ الأوتار ونَقْصِها أو فَقْدِها في الأشفاع، وتمَلَّقَ بذلك إلى كونِ الرَّشيدِ وتْرًا، فهو كاملُ السَّعد، تَكثُرُ على يدَيْهِ الفتوحات، وتتّسعُ مملكتُه في المعمور، ولم يَستحسِنْ أحدٌ هذه المقالة، ولا حُمِدَ منهُ وضعُه إيّاها؛ لِما اشتَملَتْ عليه من التهاتُرِ والتناقض، وعَدِّ بعضِ الأوتار أشفاعًا وبعضِ الأشفاع أوتارًا، إلى خُلوِّها من فائدةٍ يُحرَصُ عليها ويُرغَبُ فيها، ولم يَحسُن موقعُها معَ ذلك من الرّشيدِ الذي رُفِعتْ إليه؛ لذِكرِ بعض سَلَفِه فيها بما لا يَستسيغُ عاقلٌ سَماعَ مثلِهم، ثم إنّ الوجوهَ ذاكَرَتْه في كلِّ ما نَسَبَه إلى الرّشيدِ من تأتّي الفُتوح في أيامِه وبَسْطِ مملكتِه وطُولِ عُمُرِه، فقُبِضَ الرّشيدُ غريقًا في جُمادى الأولى سنةَ أربعينَ وست مئة ابنَ ستٍّ وعشرينَ سنة، وكانت أيامُه تسعَ سنين ونحوَ نصفِ سنةٍ (١) معظمُها في هَرَج وغلاءٍ مُفرط وفتنٍ مُظلمة وأهوال لا قِبَلَ لأحدٍ بها إلا بعضَ سنين أواخِر العَشْرِ التي توفِّي بها، ولم يَعدَم معَ ذلك تكريمًا منهُ وتعظيمًا عندَ الخاصّةِ والعامّة من أهل مَرّاكُشَ إلى أن توفِّي بها ليلةَ الجُمُعة ودُفنَ من الغدِ إثرَ صَلاتِها، وذلك في العَشْر الأُوَل من شهر ربيعٍ الآخِر سنةَ تسعٍ وثلاثينَ وست مئة بجَبّانةِ باب نَفِيس، وشَهِد جَنازتَه خَلْقٌ لا يُحصَوْنَ
(١) أيام خلافة الرشيد الموحدي من مفتتح شهر محرم من عام ثلاثين وست مئة إلى عاشر جمادى الأولى من سنة أربعين وست مئة. وأخبار دولته مفصلة في البيان المغرب ٣/ ٢٨٢ - ٣٥٨ وفيه الحديث عن الغلاء.